المطلع على ما يقوله ويكتبه (بعض) من يصفون أنفسهم بالمثقفين والتنويريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والنشر والإعلام، لا ينقضي عجبه من انهزامية (بعضهم) وتناقضهم في التعامل مع الإنسان.

فإذا كان هذا الإنسان كافرا فله عندهم من الإجلال والتقدير، واستعمال الألفاظ اللينة، وتحمل كل أخطائه بناء على ما يكررونه من: احترام الرأي والرأي الآخر - التسامح - عدم الكراهية... الخ.

أما إن كان هذا الإنسان مسلما يختلف مع رؤاهم وطرحهم، فإنهم يسلقونه بألسنة حداد، وينسون ما يدندنون به: من الرأي والرأي الآخر، والتسامح، وعدم الكراهية، وبالتالي يتميزون عليه من الغيظ، ويفرحون بخطئه إن أخطأ لا سيما إن كان منتسبا للعلم الشرعي، وربما يعممون الخطأ.

هذه المكاييل المختلفة مناقضة لما وصف الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه من كونهم رحماء بينهم أشداء على الكفار كما قال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)، وقال تعالى في وصف من يحبهم بقوله: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)، بينما هؤلاء هداهم الله على النقيض من ذلك: أشداء على المؤمنين، رحماء للكفار.

وفي نظري أن سبب ذلك: الانهزامية، والانبهار بالغرب، وعدم فهم الكتاب والسنة.

إن منهج الوسطية والاعتدال -حسب ما أفهمه من الكتاب والسنة - هو:

أن يكون الإنسان هينا لينا سمحا، مع إخوانه المسلمين، وإذا أخطئوا لا يجاملهم بل يرد عليهم خطأهم مدعما ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، ويكون ذلك بعلم وعدل وأسلوب حكيم، ليس فيه فظاظة ولا مآرب دنيوية دنيئة، بل يكون هدفه البيان والهداية.

وأيضا مع الكفار الذين لم يقاتلوننا في الدين ولم يخرجونا من بلادنا، يكون التعامل معهم بالحسنى والعدل كما في قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، وربنا يقول: (وقولوا للناس حسنا) ولفظ (الناس) يشمل المسلم والكافر.

ونبينا صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي، لكونه مسالما، أما إن كان ممن يقاتل ديننا ووطننا فهذا الذي تنزل عليه الآيات في أول المقال، ويعامل بالشدة (أشداء على الكفار).

إنني أرجو من هؤلاء الإخوة إذا لم يروا لإخوانهم المسلمين مزيد حق وفضل، أن يعاملوهم على الأقل كما يعاملون الكفار أي: باللطف وعدم الكراهية والسماحة، وليس من شروط التطور والتنوير أن يكونوا كارهين لإخوانهم المسلمين الذين يختلفون معهم فيما يسوغ فيه الخلاف، وأعيذهم بالله أن يقولوا عن الكفار: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا.