حمل توجُّه الإدارة الأميركية لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، عددا من الإشارات التي تؤكد أن هذه الجماعة التي انكشف أمرها تعيش آخر أيامها، وأن الخناق الذي تشده على رقبتها عدد من دول العالم سيودي بها لا محالة إلى مثواها الأخير -غير مأسوف عليها- عطفا على الفظائع الكثيرة التي ارتكبتها في كل الدول التي ابتليت بوجودها.

ومع أن كثيرين يركزون فقط على الممارسات السالبة التي يقوم بها أنصارها ومنظروها، إلا أن الخطأ الرئيس -كما يؤكد معظم المحللين المتابعين لها منذ نشأتها- يكمن في أساس تكوينها الذي بُني على كثير من المفاسد والمخاطر، بدءا من دعوتها إلى عسكرة المجتمعات المدنية، وتشجيع الخروج على الحكام، والتربص ومحاولة الوصول إلى الحكم، وتكفير المجتمعات المسلمة، وإعلان الجهاد على الحكومات، كما نادى بذلك منظّرها سيد قطب، واتخاذ العمل السرّي وسيلة رئيسة للسيطرة على البلدان، مرورا بسياسات الأخونة التي تقوم على استبدال كل قيادات الدولة -بعد الوصول إلى الحكم- بعناصر موالية للجماعة، وتمكينها من موارد الدولة ومقدراتها المالية، واستبعاد كل من يختلف معها والتضييق عليه، إضافة إلى الوصولية والانتهازية التي هي أساس عمل الجماعة، إلى غير ذلك من المفاسد والمساوئ.

ومن المؤسف أن منظري تلك الجماعة الفاسدة لم يجدوا سوى ليّ أعناق الحقائق، وتزييف الوقائع، وبلغ بهم الغرور أن أفتى بعضهم بتأثيم كل من يرفض الانضمام إليهم، كما قال أحدهم «ومن تخلّف عن الانضمام لمثل هذه الجماعة فإنه يأثم كإثمه عن ترك أي فرض أو تكليف شرعي»، وكأنهم بذلك أرادوا احتكار الإسلام وحصره داخل فكرهم، إلى غير ذلك من الشعارات البراقة الرنانة الخالية من كل مضمون، والتي خدعت بعض السذج وقليلي الفهم.

والناظر إلى تجربة الجماعة في عدد من الدول، مثل مصر والسودان وتونس والجزائر وتركيا، يرى بوضوح مقدار التدمير الذي يحمله عناصر الإخوان معهم أينما حلّوا، ويدرك مدى النرجسية الذي تعتري أفرادها وقادتها، إذ لا يرون أحدا أحق بالحكم منهم، والانحرافات التي تصاحب تجاربهم، فعلى الرغم من أنهم يتشدقون بالديمقراطية، إلا أنهم أبعد ما يكونون عنها، والدليل على ذلك أنهم ما إن يتسلموا الحكم في أي دولة حتى يبدؤوا في محاربة خصومهم السياسيين، ويعملون على إضعافهم والتخلص منهم، وإحلال عناصرهم في كل المراكز القيادية، وهو ما يعرف بسياسة التمكين، حتى ولو لم يكونوا يتمتعون بالمؤهلات التي تعينهم على أداء مهام تلك الوظائف، وأكبر مثال على ذلك ما حدث في مصر إبان حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي، وقراراته الـ6 الشهيرة التي أصدرها بعد أشهُر معدودة من تسلمه الحكم، والتي لم يرد منها إلا السيطرة على كل مرافق الدولة، وهي التي أدت إلى نشوب ثورة يونيو التي خلعته من الحكم. وفي تركيا لم يتورع الرئيس إردوغان عن انتهاز حادثة الانقلاب العسكري المزعومة، إذ شرع على الفور في عزل خصوم الحركة السياسيين من كل المناصب بدعوى ارتباطهم بجماعة المعارض فتح الله غولن، حتى بلغ عدد الذين تم فصلهم خلال هذه الفترة الوجيزة مئات الآلاف من العسكريين والمدنيين.

أما في السودان، فإن الصورة تبدو أكثر سوادا، فخلال 30 عاما من حكم ثورة الإنقاذ، تدهورت الأوضاع في هذا القطر الشقيق، حتى بات ما يعرف بسلة غذاء العالم على شفير المجاعة، بسبب السياسات الخاطئة التي ارتكبتها الحكومة المرتبطة بالإخوان، والنهب المنظم للثروات.

وفي الجزائر، فقد سالت أنهار من الدماء قبل مجيء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ولقي عشرات الآلاف حتفهم في أحداث إرهابية تقف وراءها الجماعة الإرهابية ذاتها التي ارتبطت منذ ظهورها في أواخر عشرينات القرن الماضي بالعنف، وقامت على مبادئ العمل السري المنظم الذي ينطلق من تحت الأرض، وتكوين الميليشيات المسلحة، والوصولية ومداهنة الحكام، حتى الوصول إلى سدة الحكم، والخلط بين الدعوة والسياسة، وتقديم الولاء للجماعة على الولاء للأوطان، واللعب على المتناقضات، والتقارب مع أعداء الأمة مثل علاقاتها الوطيدة مع نظام الملالي في إيران، كما ارتبطت بعلاقة تنظيمية قوية مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، كل ذلك في تسخير واضح لقاعدة الغاية تبرر الوسيلة.

الآن تبدو الجماعة أمام مفترق طرق، بعد أن سقطت عنها ورقة التوت، وانكشف زيفها وانفض سامر معظم من كانوا يعدّون من أعمدتها وفضحت ألاعيبها، وذاق المسلمون الويلات من تجاربها في الحكم، لذلك فإن أبرز وأخطر دلالات الخطوة الأميركية الرامية إلى حظرها وتصنيفها كجماعة إرهابية، تتمثل في حظر التعامل معها، وتجفيف منابع تمويلها، وتجريم كل من يشاركها المعاملات التجارية، وحظر سفر قادتها، ومنع البنوك من إجراء أي معاملات مالية لها، ولن تقتصر هذه الإجراءات على الولايات المتحدة فقط، بل إن دول أوروبا وأميركا اللاتينية ستجد نفسها مضطرة للسير في الاتجاه ذاته، على غرار ما حدث في العقوبات الأميركية على إيران وحزب الله اللبناني. وستمثل كل هذه الإجراءات ضربة قاضية للجماعة التي تعتمد في كل أنشطتها على المال، وتمكّنت من تكوين إمبراطورية مالية ضخمة، تنتشر في كثير من دول العالم وتستخدم ذلك المال في شراء ذمم الفاسدين، وإغراء الضعفاء والمحتاجين بالمساعدات الغذائية والمالية.

الآن، هناك مهمة كبيرة تقع على عاتق الجميع في كل الدول العربية، تتمثل في توعية الأجيال والشباب بالخطر الذي تمثله هذه الجماعة على حياتهم ومستقبل بلدانهم، وتدشين حملة فكرية ضخمة لتعزيز قيم الانتماء للأوطان، فلن تكفي كل الإجراءات الحكومية والرسمية لاجتثاث الفكر الإخواني، ما لم تكن مصحوبة بحملة توعوية وفكرية كبرى، تماما كما تمت محاربة الفكر الداعشي، فلا يوجد فرق جوهري واضح بين الاثنين، فكلاهما إرهابي شرير، يسعى إلى تدمير الدول العربية والإسلامية وخدمة مصالح أعدائها، وهذه المهمة الجسيمة لا تقع على عاتق الحكومات فقط، بل هي في الأساس مهمة مراكز الأبحاث، ووسائل الإعلام، والمؤسسات التربوية، ومنظمات المجتمع المدني، والمثقفين، ورجال الفكر، كلٌّ في مجاله وحسب تخصصه وعلى قدر سعته، كما أن هناك دورا كبيرا على عاتق الأسر وأولياء الأمور، لتحصين أبنائهم من تلك الأفكار الفاسدة، فلا بد من تضافر كل الجهود لتحقيق هذا الهدف الذي أنا على يقين بأنه ينبغي أن يكون الأكثر أهمية، بعد اجتثاث الأفكار الإرهابية الشريرة، حتى نضمن نشوء أجيال شابة معافاة، قادرة على خدمة أوطانها وتحقيق أهداف أمتها. وحتى نضمن عدم عودة تيارات العنف والغلو والتشدد تحت أي ستار وخلف أي لافتة.