منذ اجتياحها صنعاء واختطافها مؤسسات الدولة، دأبت جماعة الحوثيين الانقلابية المدعومة من طهران على ارتكاب جرائم متعددة ضد المدنيين، وقامت إستراتيجيتها على محاولة نسب تلك الجرائم للقوات النظامية والتحالف العربي الداعم للشرعية، التي نجحت مرات كثيرة في فضح تلك التجاوزات وبيان الحقائق وتعرية الميليشيات أمام الرأي العام العالمي، الذي يعلم تماما أنه لو كانت المقاومة والجيش الوطني المدعوم من التحالف العربي يرغبان في إلحاق الهزيمة بالمتمردين -بأي ثمن- لما استغرق الأمر كل هذا العناء، ولما استطاع الانقلابيون الصمود، لكن لأنها تتمسك بالنأي عن إلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء، وعدم تهديد حياتهم، وتعمل بقوة على حمايتهم، فقد أحجمت مرات كثيرة عن مهاجمة أهداف ومواقع كانت تتحصن فيها قيادات حوثية من الصف الأول، من بينها رئيس ما يسمى بالمكتب السياسي للمتمردين، محمد علي الحوثي، الذي رصدته قوات التحالف العربي مع مجموعة من كبار قادة الجماعة في إحدى المناطق بصعدة، وعندما وردت تلك المعلومة إلى مقر قيادة قوات التحالف صدرت الأوامر الواضحة بتجاهل ذلك الهدف، حقنا لدماء الأبرياء، ولضمان عدم وقوع أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين.

هذا الفهم المتقدم نابع من حقيقة واحدة، هي أن قوات التحالف العربي التي تنطلق في كل أعمالها من منطلق المسؤولية، وتتعامل بعقلية السلطة المسؤولة، تحرص على مراعاة قواعد الاشتباك المعمول بها دوليا، وترفض الانسياق وراء محاولات الاستفزاز التي تقوم بها الجماعة الانقلابية التي تسيطر عليها عقلية الميليشيات، ولم تعرف طريقة التفكير المسؤول، وتسعى إلى تحقيق أهدافها بمختلف السبل، ولو كان ذلك على جماجم الأبرياء ودمائهم، ولا أدل على ذلك من إقدام عملاء إيران على تجنيد عشرات الآلاف من الأطفال القصَّر الذين لم تتجاوز أعمار غالبيتهم السنوات العشر، واقتحام المدارس لإرغام الطلاب على الانخراط في معسكرات تدريب لا تستغرق في العادة أكثر من أسبوعين، قبل إرسالهم إلى صفوف القتال الأمامية، غير مبالية بالأخطار التي قد يتعرضون لها، نتيجة لعدم امتلاكهم الخبرة الكافية. وهذا الأسلوب الذي يوقع مرتكبه تحت طائلة العقوبات الدولية ازداد خلال الفترة الماضية بوتيرة عالية، بسبب تلاحق الانتصارات التي تحققها قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، ورفض رجال القبائل والأهالي إرسال أبنائهم للتجنيد، بعد أن انكشفت لهم خفايا المشروع الإيراني، فلم يجد المتمردون بدًّا من إرغام السكان المحليين، خصوصا في المناطق التي تزداد فيها معدلات الفقر، على السماح لأبنائهم بالتجنيد، تارة بإغرائهم بصرف مواد غذائية ومبالغ مالية لهم، أو عبر تهديدهم بالطرد من منازلهم ومصادرتها.

وليت معاناة الأطفال اقتصرت على ذلك فحسب، بل إن روايات بعض من وقعوا منهم أسرى في أيدي القوات الشرعية تؤكد أن هناك آلافا قتلوا خارج نطاق القانون، عند محاولتهم الفرار والعودة إلى ذويهم، كما أصيب كثيرون بالجروح، والتشويه، والإعاقة، وتحول آخرون إلى مدمني مخدرات اضطروا لتناولها بعد أن قدمتها لهم الميليشيات على أنها عقاقير مهدئة فيما ثبت أنها عقاقير هلوسة تصيب متعاطيها بحالة من الغياب عن الواقع، لصرفهم من التفكير في واقعهم، والتحول إلى آلات قتل ودمار.

كذلك دأبت الميليشيات الحوثية على اتخاذ المدنيين -خصوصا الأطفال- دروعا بشرية، حيث أنشأت مراكز التدريب وسط الأحياء المدنية، ولم تجد أماكن لنصب منصات إطلاق صواريخها التي تستهدف بها المدن والقرى الحدودية سوى وسط المدارس والمستشفيات، رغبة في استدراج قوات التحالف لاستهداف تلك المواقع، حتى توهم الرأي العام بأنها تستهدف مواقع المدنيين، وهو الحيلة التي استوعبتها القوات الموالية للشرعية، ولم تنجر وراءها، ويذكر العالم أجمع قصة ذلك الإرهابي الحوثي الذي اعتقلته قوات الجيش الوطني وهو يصطحب طفلته التي لم تتجاوز السنوات الأربع من عمرها عند محاولته تهريب الأسلحة واستهداف القوات الموالية للشرعية، وعرضت قيادة التحالف العربي تلك الطفلة البريئة المسماة جميلة في مؤتمر صحفي لتبصير الرأي العام بانتهاكات الانقلابيين كافة الأعراف والمواثيق الدولية.

آخر حلقة في تلك السلسلة الطويلة من التجاوزات فضحها التقرير الذي أصدرته منظمة سام للحقوق والحريات، الثلاثاء الماضي، والذي حمل عنوان «الانفجار الغامض»، واحتوى تحقيقا أجرته المنظمة في واقعة الانفجار بتاريخ السابع من الشهر الماضي، جوار مدرسة الراعي في منطقة سعوان قرب صنعاء، وأسفر عن مقتل 14 طالبا وطالبة وإصابة آخرين، إضافة إلى تضرر عدد كبير من الممتلكات الخاصة الواقعة في المنطقة. وأورد التقرير إفادات موثقة لشهود عيان كانوا قريبين من موقع الانفجار، بينهم طالبات، وأقوال أهالي بعض الضحايا. وقطع التقرير بحسب خبراء في مجال التصنيع العسكري بأن الانفجار لم يكن بفعل صاروخ جوي أو ضرب طيران، بل نتيجة فعل داخلي من الورشة نفسها، ناتج عن مواد شديدة الانفجار، كانت تستخدم لتصنيع رؤوس صاروخية تستخدم في العمليات العسكرية. وأضاف التقرير «استخدام دماء اليمنيين وأرواحهم للمزايدات السياسية والاتهامات الإعلامية جريمة حرب وعمل غير أخلاقي»، كما دعا لجان الأمم ولجنة الخبراء البارزين التي تحقق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، إلى إعطاء هذه الجريمة أولوية خاصة في التحقيق وإعلان النتائج بشفافية.

كل ما سبق ذكره ليس بمستغرب من الجماعة الانقلابية ولا يثير الدهشة في من يدرك حقيقتها وطريقة تفكير قادتها التي تنسجم مع طبيعتهم الانقلابية، إلا أن ما يؤسف له هو ذلك الصمت المريب الذي تمارسه المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحقوق الطفولة، فعلى الرغم من التقارير الدولية المتعددة التي تؤكد تزايد الظاهرة، والتحذيرات المتكررة التي أطلقت للتحذير من عواقب تلك الممارسات، وصدور إحصاءات تفصيلية موثقة ومدعمة بالأرقام تؤكد انتهاكات الحوثيين لكافة الأعراف والقوانين الدولية، إلا أن ذلك لم يدفع الأمم المتحدة ومنظماتها إلى التحرك لوقف تلك المأساة، ولم تعطها ما تستحقه من اهتمام، باعتبارها خطرا يهدد مستقبل اليمن، بل إن المنظمة الدولية العريقة استمرأت القيام بدور مشبوه لا يتسق مع طبيعتها، وهو محاولة توفير غطاء شرعي للمتمردين، وإسباغ الشرعية على تصرفاتها، والسعي الحثيث إلى تبريرها، وضمان عدم فرض عقوبات عليها، وهو ما يؤكد حقيقة واضحة هي أن المنظمة باتت تُعلي الحسابات السياسية على أهدافها الرئيسية ومهامها التي ينبغي أن تعطى الأولوية على ما سواها، فذاكرة التاريخ لن ترحم، وإنسان اليمن لن يغفر لمن استخدمه كمجرد ورقة ضغط في حسابات سياسية لا ناقة له فيها ولا جمل.