منذ صغره كان بدر يردد على مسامع أسرته أنه سيصبح طبيبا مشهورا، وسيساعد الناس ويقدم لهم الخدمات الطبية، وسط ابتسامات والديه ودعائهما له بأن يحقق أمنياته.

لكن بدرا قبل أن يبلغ السادسة من العمر أصبح يتيما. فقد رحل والده -رحمه الله- وترك لوالدته مهمة ثقيلة تتمثل في تحقيق أمنيات الطفل الصغير.

في الواقع، لم يكن الطفل يمزح، فقد تمسك بالمركز الأول منذ دخوله المدرسة وحتى تخرجه من الثانوية، ليلتحق بجامعة الملك سعود، ويحصل على البكالوريوس في الطب والجراحة بتفوق.

ولم تكن تلك النهاية لشاب نما حلمه معه، وكبر منذ نعومة أظفاره، بل كان بداية جديدة لرحلة كفاح جديدة.

تقاطعت في رحلة الشاب بدر أربعة خطوط عريضة شكّلت مساحات واسعة في تجربته الثرية نحو ومع حلمه الأثير.

الخط الأول: كان الأم التي حملت الهّم وحيدةً، لترعى حلم طفلها وتسقيه بماء القلب والعين، دون أن تسمح للمواقف الصعبة أن تزعزع ثقته في نفسه، ولا لرياح الظروف العاتيات أن تلغي حلمه، أو حتى تؤجله ولو لوقت قصير.

كان بدر يقدّر كل ذلك، ويرد لوالدته التحية نهاية كل فصل دراسي، وهو يحمل شهادات التفوق والتميز عاما بعد عام.

الخط الثاني: كان الوزير الذي يجعل من منصبه جسرا مرنا لعبور الطامحين من شباب الوطن إلى الضفة الأخرى، دون أن تعترض الأنظمة الروتينية والمسؤولون الجامدون طريقهم الأخضر. وتمثل ذلك في اقتحام الشاب بدر مكتب وزير التعليم العالي آنذاك، خالد العنقري، بعد أن رفض المسؤولون مسألة ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأميركية للتدريب. وبعد أن رفضوا أيضا التخصص الذي اختاره دون إبداء أسباب مقنعة. فما كان من الوزير إلا أن شجّع الشاب بعد أن اطّلع على سيرته الذاتية، ورأى فيه ثروة إنسانية ستعود ثمارها على الوطن قبل كل شيء، ليترك بهذا الموقف الجميل أثرا عظيما في نفس الشاب لم تمحه الأيام.

الخط الثالث: كان مجموعة العقبات والإحباطات والصعوبات التي واجهته في مرحلة التدريب، عندما تعرض الطبيب الشاب للصدمة من مستوى التدريب الأساسي في السعودية لتخصص المسالك الذي لم يكن بمستوى طموحه، مما دفعه إلى التفكير في التدريب في مكان أفضل. كما كانت تتوالى على مسامعه عبارات التثبيط والتحطيم التي كانت كفيلة بتمزيق ثقته في نفسه، فضلا عن تصيّد الأخطاء وغضّ الطرف عن الإنجازات التي كانت كفيلة بتوقف رحلته عند هذا الحد. لولا استعانته بالله. وكلما أوشك على الاستسلام لاح له وجه والدته المشرق وهي تدفعه بابتساماتها ودموعها نحو العلا. فيتعالى على نفسه من جديد، حتى وجد نفسه الطبيب الوحيد من خارج أميركا الذي يعمل في مركز كليفلاند كلينك «قسم المسالك»، إذ كان يعمل 12 ساعة متواصلة من غير المناوبات، بينما يدرس الماجستير ليلا. في دروس حية لرحلة كفاح جبارة، أعطت العالم صورة ناصعة لشاب سعودي طموح.

مرت هذه الذكريات أمام استشاري المسالك البولية، رئيس الأطباء السعوديين الدكتور بدر المسيعيد، وهو يلبي نداء الواجب ويجري جراحة تخصصية لمريض خارج الرياض، ضمن مشروعه التطوعي الإنساني النبيل الذي يراه واجبا دينيا ووطنيا، وهذا هو الخط الرابع، وهو العمل التطوعي لخدمة المرضى في المستشفيات الطرفية. ويعمل حاليا على تأسيس خدمة طبية في محافظتي حائل ووادي الدواسر لخدمة مئات المرضى، تكفيهم عناء وتكاليف السفر إلى المدن الرئيسة لطلب العلاج، ويعد ذلك ذروة العمل الطبي التطوعي.

في كل مرة يسجل فيها الدكتور بدر إنجازا طبيا جديدا، يلوح أمام عينيه حلمه البعيد، ووجه والدته المبلل بالدموع.