ما بين الفينة والأخرى، تبادرنا المعلومات المتناولة في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المتداول على المستوى الوطني، عن مزيد من الانتشار للشهادات المزورة والوهمية بين العاملين لدينا من الوافدين بصفة خاصة، والذين تم التعاقد معهم وهم يحملون تلك الشهادات، أو تمكنوا من الحصول على درجاتها العلمية العليا وهم على رأس عمل، بمعنى أنهم يحصلون على تلك المؤهلات الوهمية والمزورة مقابل أموال مدفوعة واتصال عن بعد، مع تلك الجهات المشبوهة أو الأشخاص الخائنين لأماناتهم العلمية ومسؤولياتهم الوطنية والأكاديمية في جامعاتهم، ببيع تلك الشهادات المزورة وتوثيقها رسميا من جامعات معروفة ينتمون إليها، أو بالتعاون مع مسؤوليها على اختلاف درجاتهم العلمية ومسؤولياتهم الأكاديمية.

ولارتباط الموضوع بجميع مقدراتنا التنموية البشرية والمادية، وبما نواجهه من تحديات في مسيرتنا التنموية المستهدفة التي لا يتسع المجال لتفصيلها، ولكن يمكننا أن نوجزها في بعض القضايا التي تؤرق المجتمع الوطني وهي: ضعف المخرجات التعليمية، وتزايد البطالة بين المواطنين، ونمو عدد الباحثين عن عمل من المواطنين، وانخفاض مستوى الجودة في كثير من المشروعات المنجزة والبرامج التنموية المطروحة التي لا تقدم ولا تؤخر في معالجة ما نواجهه من تحديات مهمة، وذلك في ظل استمرار وتزايد التوظيف لغير المواطنين، وتجاهل مستمر لمستوى جودة ومصداقية مؤهلاتهم العلمية وتدريبهم، لتكون قطاعاتنا بمختلف كياناتها ورش تدريب مجاني لغير المواطن، بينما هي محظورة على المواطن لأنه يفتقد التدريب وهو حديث التخرج!.

من البديهي أن هناك معايير ومتطلبات محددة للوظائف المختلفة، ومن الطبيعي أن يتساوى المقياس وتكون العدالة والمصداقية في فرز المؤهلين من المتقدمين لشغل الوظائف المطروحة، بحيث يترشح من يتمتع بأكبر قدر من المميزات المنافسة والمؤهلات وفق المعايير والمتطلبات المطروحة، ويكون ذلك بين المتقدمين من المواطنين بداية، بحيث تتاح الفرص لأبنائنا بالعمل والتدريب، في وطنهم الذي يحتضنهم كمواطنين وكموارد بشرية مواطنة تسهم في بناء الوطن.

ومن الملاحظ الذي تكشفه الأحداث المتداولة، أن هناك عدم عدالة واختلافا في المعايير والشروط المطلوبة والمنفذة في التوظيف، وأننا نكيل بمكيالين، بحيث نتجاهل مراعاة الدقة والجودة في التأهيل والتدريب لغير المواطن عند توظيفه في مختلف القطاعات، ونتشدد في الشروط والمتطلبات نفسها عند توظيف المواطن! وعليه يتم استبعاده من الترشيح رغم جدارته ومنافسته في أحيان كثيرة.

منذ أيام تم تداول أنباء محلية تكشف عن ضبط 3000 شهادة لمهندسين مزورة -وتم الكشف عن مثلها مسبقا- ويعمل حاملوها في مشاريعنا الوطنية وشركاتنا الكبرى والصغرى، وتحت سماء وطننا الغالي الذي نبذل فيه الغالي والرخيص لننهض به ونبني لبناته بجهودنا وعقولنا، وبجهود أبنائنا الذين نحرص على تعليمهم أفضل تعليم، ونسعى نحو تدريبهم أفضل تدريب ليحملوا على أكتافهم مسؤولية الوطن، لتحقيق رؤيته وبلورة آماله وتطلعاته لتكون منجزا مشرفا ننعم به، ونعيشه ونورثه لأجيالنا القادمة كحضارة تشهد بمستوى عطائنا ودرجة تميزنا بحجم طموحنا.

ومما يجدر التنويه إليه أن كشف المؤهلات المزورة لهذا الكم الكبير من المهندسين لم يكن ليتم لولا أن هناك ضبطا مهنيا لتلك المهنة خلال هيئة المهندسين، وما يتصل بها من إجراءات رسمية مطلوبة عند تجديد الإقامة عبر «أبشر» بما يساعد في كشف حقيقة مؤهلات العاملين في تلك المهنة، السؤال المطروح كم من المشتغلين في التخصصات المختلفة الأخرى يعملون في وطننا ولم يتم ضبطهم وإيقافهم؟ كم من الأطباء، كم من المهندسين، كم من الأكاديميين، كم من القانونيين، كم من القيادات الإدارية، كم من ممتهني تقنية المعلومات، كم من الذين يتحملون مسؤوليات مالية وإدارية كبرى في شركاتنا وقطاعاتنا المختلفة الذين تجاوزتهم عين الرقيب؟ كم من العقود التي ما زالت تُبرم مع متعاقدين قادمين دون أن يدقق في مصداقية مؤهلاتهم؟ وآخِراً من المعني والمسؤول عن هذا الفساد والتسيب في التوظيف؟ ومن الجهة الإدارية أو المؤسسة الرسمية المعنية بمتابعة وحوكمة حاملي تلك المؤهلات، ومن يوظفهم باعتبار أن ضررهم عام وليس خاصا بالمنشأة، فهو ينخر في الكيان الوطني ويسهم في تعثر مسيرته التنموية وهدر أمواله وتبديد آماله وطموحاته؟

وحيث إن نظام العمل والتعاقد يتيح لمختلف القطاعات العامة والخاصة المختلفة، التعاقد والتوظيف لغير المواطن بعد تحصيل التأشيرات، وفق ضوابط خاصة، وغير معنية بجودة المؤهلات ومصداقية الشهادات ومدى موثوقية مصادرها ونزاهتها، فإن الحاجة ماسة وعاجلة لضبط عملية التوظيف وإجراءاته، سواء للمواطن أو غير المواطن خلال نظام إلكتروني أو غيره، في إطار ضوابط ونظام، تقوم عليه جهة مسؤولة رسمية تتحدد مسؤولياتها في منح تراخيص العمل لمختلف القطاعات، بناء على معايير علمية ووسائل تدقيق وتمحيص لمصداقية المؤهل أو التدريب وغيره، وذلك يقتضي أن تضم الجهة متخصصين ذوي دراية ومسؤولية في آلية ضبط ذلك وبشفافية تامة، وحوكمة وعقاب لمن يخالف ضوابط العمل ومصداقية موثوقية المؤهلات، وذلك يتطلب أن تخضع كذلك تلك الجهة لنظام رقابي ومتابعة لمستوى الجودة والأمانة في الأداء بما يكفل النزاهة في الإجراءات والآليات المتبعة.

ما يحدث لدينا وفي دول الخليج المجاورة من التجاوزات في التوظيف لكفاءات وهمية ومؤهلات زائفة، انعكس مردوده على ضعف في الإنتاج العام وتعثر في الحصاد التنموي المأمول، وذلك على الرغم من جهود وطنية تُبذل وأموال طائلة تُنفق، للحد من التحديات التي تواجه مسيرتنا التنموية بجميع مضمونها البشري والمادي، وللمضي قدما نحو مستقبل واعد ومكانة نستحقها كمواطنين ويستحقها الوطن المعطاء، وصدق الحق في قوله تعالى «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون» التوبة، الآية (105).