«منك المال ومنها العيال»، دعاء ولكن بصيغة توصية ولو قصد به الدعاء، ويقال هذا عند تهنئة عريس في ليلة حفل زفاف عرسه.

وقد آذاني ذلك كثيرا، عندما سمعت بعض المهنئين لعريس ابنتي فداء يرددونه له قبل عدة أشهر، حيث كنت واقفا إلى جانبه، وكدت أصرخ في وجوههم، عندما يأتون لمصافحتي، وأقول لهم: «مهلكم.. تخصص ابنتي إدارة أعمال، وليس فقط إدارة عيال». وابنتي الآن في الولايات المتحدة تحضر للدراسات العليا في إدارة الأعمال، في جامعة بيركلي. أي أنها ستكون أكثر علما ودراية بإدارة المال والأعمال، ممن وصّوا عريسها لتخصيصها لإدارة العيال، وتخصيص نفسه لإدارة المال.

فقد تكون هي أفضل منه في إدارة المال، حسب تخصصها، وقد يكون هو أفضل منها في إدارة العيال، ولكن منطق الحال الآن يقول إنهما يجب أن يشتركا معا في إدارة المال والعيال كذلك، خاصة بعدما أصبحت المرأة تعمل وتغطي نصف -إن لم نقل معظم- مصاريف البيت في بعض الحالات.

إذًا لماذا كان آباؤنا وأجدادنا يرددون مثل هذه التوصية للعريس الجديد؟ الجواب، كانوا يرددونها لأنها فعلا كانت تعكس منطق حال زمانهم وبصدق، إذ كان الرجل هو العائل الوحيد للبيت من ناحية كسب المال والصرف عليه، أما المرأة فكانت مهمتها فقط هي تربية الأولاد والبنات، والاهتمام بخدمة زوجها وبيتها. ويصدق هذا على قاطني المدن والبلدات الحضرية أكثر من قاطني الأرياف والبادية، حيث كانت المرأة فيهما تعمل جنبا إلى جنب مع الرجل. وعلى هذا، ففي الأرياف والبادية -نسبيا- يسمون الأشياء بأسمائها.

فالعُرف عندهم عُرفٌ ودين، إلى حد ما. أما في المدن فَقَلّ أن يسموا الأسماء بأسمائها، فيختلط عندهم الدين بالعُرف؛ والعُرف بالدين.

ولذلك، ففي الأرياف والبادية كانت المرأة تقود السيارة، وتتحرك بها من مكان إلى مكان بعيد بمفردها، وذلك لكونها تجمع بين العمل مع زوجها مع اهتمامها ببيتها وخدمة زوجها وأطفالها، وذلك كونها رقما مهما وفاعلا في عملية كسب العائلة المادي الآن وسابقا.

إذًا، فالمسألة في نظرة الإنسان إلى الأشياء والأمور الحياتية، في غالب الأحيان، هي نظرة كسب مادي، أو ما يسهل إليه من وسائل وطرق ومفاهيم. ففي البلدات والمدن الحضرية لدينا -قبل النفط وخطط التنمية الحديثة- كان الرجل هو المصدر الوحيد في كسب العائلة المادي، ولذلك تمت صياغة دور كل من الرجل والمرأة في مناشط الحياة الاقتصادية والاجتماعية على أساسه، لتسهيل الوسائل وتدعيم المبادئ الخادمة والميسرة له.

فالرجال في المدن والبلدات -آنذاك- كانوا لا ينامون بعد صلاة الفجر، وإنما يتناولون فطورهم ويتحركون باكرا إلى متاجرهم بصحبة أولادهم، ثم يرجعون إلى بيوتهم فقط للوضوء والتحرك لصلاة الظهر، ثم يكون طعام غدائهم جاهزا، فيأخذون قيلولة، حتى صلاة العصر، فيصلون ويتحركون إلى متاجرهم، ويرجعون إلى البيت، للوضوء والتحرك لصلاة المغرب، ثم يرجعون لتناول العشاء والاستعداد لصلاة العشاء، ثم النوم باكرا بعد قضاء يوم مضن يستهلك كل طاقاتهم، ليصحوا في اليوم التالي، وهم على أهبة الاستعداد لممارسة يومهم المعتاد ثانية، لتأمين المكسب لهم ولمن يعولون، وبالصرامة والتراتبية كلتيهما في الأدوار بين الرجل والمرأة.

وخلال الجدول اليومي المعتاد للرجل، المنظم أعلاه؛ نلاحظ أن دور المرأة الحقيقي فيه هو فاعل ولا يستغني عنه المجتمع، وهو وجودها في البيت، لإنجاب الأولاد وترتيب وإعداد المنزل، حسب جدول الرجل اليومي.

وإذا خرجت المرأة من البيت لساعات، دون علم أو إذن الرجل، فسيرتبك جدوله اليومي ويغضبه جدا، فضلا عن أن تتحدث معه للخروج معه لتشاركه في مصدر كسب العائلة. وقد يقول قائل، إنه كانت توجد نساء كن يمارسن مهنة التجارة آنذاك في المدن والبلدات الحضرية، ولو على شكل خجول، والجواب صحيح، ولكنهن من نساء الريف والبادية، ونحن نشاهد ذلك ماثلا أمامنا في العاصمة الرياض، حيث معظم من يفترشن الأرصفة للبيع هن كذلك من خلفية ريفية أو بدوية، مع أن لكل قاعدة شذوذا، يثبتها لا ينفيها.

* «الوطن» 2011