قال لي أحد الإخوة الفضلاء، هل تعرف الكاتب مشعل السديري، فقلتُ: لم ألتق به في حياتي، ولكن هو ليس مجهولا، فيكفي أنه ابن الأمير الفارس الكريم محمد الأحمد السديري رحمه الله، الذي هو خال إمام المسلمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، فقال: قرأت له في إحدى مقالاته في صحيفة «الشرق الأوسط» قوله «الشيخ أحمد الرضيمان رجل يشار إليه بالبنان، لما يتمتع به من صراحة وعقلانية»، فقلتُ: هذا من حسن ظنه، وطيب معدنه، وهنا سأخبرك بموقف حصل لوالده الأمير محمد الأحمد السديري مع والدي رحمهما الله.

قال والدي رحمه الله: كنتُ في يوم من الأيام أحتطب قريبا من قريتنا، لإيقاد النار للضيوف، فمرت بي سيارة الأمير محمد السديري، ولم يدر بخلدي أنه الأمير، وكان متلثماً، ولم أكن رأيته من قبل، مع أننا نحبه ونتناقل أشعاره وأخباره الطيبة، وقَفَتْ سيارته عندي، وسألني أسئلة، كان من ضمنها أسئلة استفزازية، ربما أراد منها معرفة ردود أفعالي، فأجبته عن كل ما سأل بهدوء واحترام وحكمة، ثم طلبتُ منه أن يذهب معي إلى بيتي لإكرامه، فاعتذر، لكني ألححت عليه جداً، وقلت: «لا يليق أن تمر بديرتنا، ولا تدخل قهاوينا، وأنت ضيف وعابر سبيل»، وبعد أخذ وعطاء، قال الأمير: لا بأس، لكن أخبرني عن اسمك، فقال الوالد: اسمي جزاع بن محمد الرضيمان، فقال: ونِعم، ثم قال: وما قرابة رضيمان بن حسين الشمري لك (وكان رحمه الله راويا شاعرا ومن خاصة الأمير السديري) فقال الوالد: ابن عمي، ثم أردف الوالد قائلا: أخبرتك باسمي، فأجب دعوتي، فاعتذر.

يقول الوالد: فقلت له هل يمكن أن تخبرني من أنت؟ فقال: نعم، يمكن، لكن أطلق يدي، فأطلقتُ يده، فأمر سائقه وحرك سيارته منصرفاً، وقال وهو منصرف: أنا محمد السديري.

يقول الوالد: فلما عرفته، تبعته حتى وقف لي، وقلت له: إن إجابتك دعوتي شرف لنا، ونسعد وجماعتي بك، وأنت لك مكانة عندنا وعند غيرنا، وحقك علينا كبير، فاعتذر بعذر مقنع جدا، وحلف أنه لولا ذلك لأجاب.

ثم بعد فترة، كتب الأمير محمد السديري قصيدة وأرسلها إلى والدي رحمه الله، وهي قصيدة لم تنشر من قبل، أذكر منها قوله:

أوصيك ياللي بالرجاجيل غاوي*** وصية يمشي بها كل مطواع.

ليا صرت لديار المعازيب ناوي *** ودك يصير معزبك مثل جزاع.

بديار سلمى للنشامى فداوي *** وبيبان بيته للمسايير شراع.

ودك من البيضاء يلبس كساوي*** ردونها تضفي على طايل الباع.

ياطيب هقواته تعدى الحراوي *** وله فوق هقوات المشاكيل مرباع.

عساه دايم في حياته غناوي *** ويهب له من نية الخير ذعذاع.

رحم الله الأمير الفارس محمد الأحمد السديري، ورحم الله والدي، وجمعنا بهما في جنات النعيم.

وشكراً للأستاذ مشعل على حسن ظنه بي، كما أحسن والده الظن بوالدي، وإن كنتُ أنا ذا بضاعة مزجاة، لكن هو أحسن الظن، لأنه ابن رجل عظيم، ومن أشبه أباه فما ظلم.