ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن «عبث صالات الزواجات» وما يحدث داخلها من «طقوس دخيلة» علينا لم تكن عند أسلافنا من قبل، زادت من أعباء أهل العروسين، وهم في الأصل أحد أسباب تنامي هذه الظاهرة، لموافقتهم عليها، وسعيهم إليها، ووضعهم أمور التخطيط لمناسبات الزواجات بأيدي النساء، فما يحدث في صالات الزواجات بكل صدق من مبالغات، هي بداية حمّلت ظهر العروسين ما لا يطاق، وعادة ما تحدث بدافع من حب «المظاهر» الذي يقود إليه «الهياط الفارغ» تحت شعارات واهية فارغة يمكن تلخيصها في عبارات موجزة «لسنا أقل من غيرنا، ولدنا أو بنتنا ليس/ ت بأقل من غيره/ها، هي فرحة في العمر خلونا نفرح، وش اللي ينقصنا عن غيرنا، أو ولدنا أو بنتنا يستاهلون مناسبة لم يسبقنا أحد إليها، أو سنقيم مناسبة مختلفة ما عمر فلان وعلان سواها»، أنا هنا لن أعيد رمي القضية في ملعب عقلاء كل قوم، لأن الأمر لم يؤخذ بجد وحزم للحد من «هياط الزواجات».

ولذلك لو حدثكم أحد ما عن غلاء مهور الزواجات، ليضعه شماعة ويعلق عليها قضية تكاليف الزواج، أو أن المهور سبب في عزوف الشباب عن الزواج، فلا تصدقوه البتة، لأن قضية الزواج لم تعد تواجه مشكلة المهر المرتفع، إلا عند فئة قليلة لا تكاد تذكر في المجتمع، فالقضية اليوم أصبحت قضية «طاولة العروس، المغني والمغنية، طاولة الضيوف، مسكة العروس، الكوشة، الحلويات التي تلف بورق السلوفان، قوارير الماء وعلب العصائر التي تلف بلواصق ورقية تحمل أسماء العروسين، وبطاقات دعوات الزواج التي تصنع في دول، وتطلب من مدن قد تبعد عن مدينة العروسين تكون في الغالب مكلفة، وصالات تسلم لمنسقين ليقوموا بتزيينها بأوراق وقطع من الأقمشة التي يكون مصيرها في اليوم التالي أقرب مكب نفايات، ليقوم منسق آخر بتنسيق الصالة من جديد بطريقة مختلفة ومغايرة لا تشبه ليلة البارحة التي شهدت حفلة زواج، ولن يكون مصيرها مختلفا عن سابقتها، وستليها ليلة ثالثة ورابعة وخامسة بتنسيق مختلف، وهكذا تمضي المناسبات بشكل ليلي مع مسلسل هدر الأموال، لأن كل ذلك لا يتم بطبيعة الحال بـ«بلاش» بل كل هذا «الهياط الفارغ» الذي ليس له داع، يتم مقابل آلاف من الريالات، قد تكون «مقروضة»، وكان يجب أن تكون في طريقها نحو «بنك العريس» ليقابل حياته الجديدة، بدلا من أن تذهب إلى أيدي العمالة والمنسقين الذين تخصصوا في تنسيق صالات الأفراح، ونجحوا في تشكيل أسواق لهم، فرخّتها لنا «مهايطة المهايطية من عشاق المظاهر» التي أسهمت في انتشار محلات تنسيق حفلات الزواجات، فشكلت عبئا جديدا وثقيلا على فاتورة «الزواج» بينما أصحاب أسواق «تنسيق الصالات وبهرجتها» من جنسيات معينة احتكرت هذا السوق واستغلت الزواجات كقوة شرائية، لملء جيوبها، فأصبحت مهمتها التفنن في صناعة الكوشات، وطاولات العروس، ومسكات العروس بطريقة جعلتهم يستميتون في «اختراع الطقوس» التي يمكن تسميتها بحسب معنى أحد كبار السن العقلاء «بالخرابيط» التي كسرت ظهر العريس وأهله، وهي في النهاية لا تقدم ولا تؤخر ولا تكبر ولا تصغر فرحة أصحاب العرس، بل العكس يمكن أن تجر عليهم كثيرا من الندم والحسرة والخسارة، خاصة إذا بدأت «الحسّابة» عندهم تشتغل لتحسب، وتُظهر كشف الحساب لآلاف الريالات التي تم دفعها من أجل ساعتين أو ثلاث ساعات فقط، دون أي حاجة لتلك الطقوس التي لن تعود بالفائدة على العروسين وعلى المناسبة.

قبل الختام، لا أريد إزعاجكم لكن لا بد لي من القول إنه لمن المؤسف أن تتم هذه الطقوس في ظل وجود إحصائية مقلقة تقول: إنه في عام واحد هو عام 2017 سجلت المحاكم السعودية أكثر من 53 ألف حالة طلاق أي بمعدل تقريبي 150 حالة طلاق يوميا، صحيح أن الطلاق قد يكون حلا ناجحا لكثير من النساء اللواتي تنتهك حقوقهن أو حقوق الأزواج، لكن أستغرب أن ذلك لم يقرع الجرس لنا ليوقظنا من سباتنا بأن هناك خللا في الثقافة الأسرية، وبناء الحياة الزوجية، قد يبدو قزما من ناحية الاهتمام بها ونشرها، مقابل ما يسمى «الطقوس الزواجية» التي تأخذ كثيرا من جهد وتفكير ومال أسرة أهل الزوج من أجل «عيون الناس وكي لا يقال إن زواجنا كان عاديا».

إن مجمل مشاكلنا مردها «الفكر» جملة قالها أحد وزرائنا السابقين ذات يوم فعاتبوه، وما علموا أنه كان على صواب.