أصبح واقع العقلية الوطنية، أنها تدرك الواقع وتحلل أحداث الماضي وتستشرف المستقبل عبر ما في حوزتها من تجارب ومعلومات وأفكار تعلمتها من خلال التجارب السابقة والأزمات المتلاحقة. لقد أصبحت عقليتنا الوطنية لا تفسر الواقع على أساس الأخبار المتداولة وتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن من خلال قراءة الواقع والتمعن فيه ليكون الوطن أولا. وربما أصبحت العقلية الوطنية محمية من كل التأثيرات الخارجية والإشاعات المغرضة، لأنها شعرت أن حقوقها مصونة، وأن قضاءها عادل، وأن الفرص متكافئة لجميع المواطنين، وأن مشاعر الوطنية والانتماء ولدت وترعرعت في أرواحهم منذ أن رضعوها من صدور أمهاتهم. إن العقلية الوطنية ليست في الحقيقة إلا شعورا بشرف الانتماء للوطن. وعندما نرى من يستهدفنا ويحاول النيل من الوطن نجدهم بلدانا وجماعات وفرقا نخرها الفساد، وهيمنت عليها الطائفية وفقدت القواسم العظيمة للوطن والمواطنة. إن شعورنا في هذا الوطن هو شعور التفاؤل والكرامة، فنحن متفائلون لأن الوطن يسير على الطريق الصحيح وأنه ينمو ويزدهر. ونحن أصحاب كرامة لأننا نشعر بها دون أن يحرضنا أحد أو يدفع لنا أحد أو توجهنا أجندات مشبوهة. لقد أصبحنا لا نختلف عن الدول الكبرى التي تشكل روح العصر وعقله وتضع شروط الحياة العصرية، فكنا ضمن مصاف العشرين الأقوى.

أما ذلك الطرف الذي يحاول استهداف وطننا ومقدراتنا فهو يعيش على هامش العصر، ويعاني انحرافا خلقيا وسلوكيا يجعله صغيرا في أعين العالم المتحضر. إن الملالي والحوثيين قد تشبعوا بمفاهيم غريبة حجبت عنهم رؤية الواقع وجعلتهم يعيشون في تيه وتخبط. فانتشر الجهل وانشغلوا بالماضي عن الحاضر والمستقبل، ولم يستطيعوا تحقيق إنجازات يشعر بها ذلك المواطن في بلدانهم.

الملالي والحوثيون يعيشون الآن على هامش العصر فينبذهم الجميع ويعزلهم العالم ويضيق عليهم الخناق، ونتيجة كل هذا ينتشر شعور بعدم المسؤولية وفراغ كبير يجتاح مجتمعاتهم، ويجعلهم ينحدرون إلى المعاني والتصرفات السيئة الكامنة في تلك النفوس، فيخسرون أنفسهم وبلادهم وأمتهم.

وإذا كان الحوثيون والملالي يظنون أنهم باستهدافهم الأماكن الآهلة بالسكان سيشكلون تهديدا ويكسبون تأييدا أو تنازلات فهم واهمون، وذلك لأنهم لا يعرفون طبيعة المجتمع السعودي. فكل مجتمع يتلقى الأحداث من زاوية نظرته وعبر مفاهيمه القيمية والأخلاقية. وأبرز هذه المفاهيم لمجتمعنا أن الوطن وحفظ الدين وطاعة ولي الأمر واستتباب الأمن أولا، وما غير ذلك يأتي ثانيا حتى ولو كان تضحية بالنفس من أجل القيمة الأولى. إن المجتمع السعودي أصبح يؤمن إيماناً تاماً بأن سلاح العقل هو العلم وعدم الانزلاق إلى مواطن الفتن، وأن الوطن خط أحمر لا سيما وهو يرى من حوله قد اقتتلوا بسبب الجهل وأراقوا الدماء دون أن يحصلوا على حقوقهم.

إن المحاولات اليائسة باستهداف المجتمع السعودي بالصواريخ الباليستية أو الطائرات المسيرة، هي محاولات للخروج من أزمة حقيقية يعيشها العدو لفك الخناق الذي بدأ يشتد عليه وينذر بقرب النهاية. إن هذه المحاولات أشبه برقصة الديك المذبوح الذي يراه البعيد فيظنه يرقص طرباً وفرحاً فإذا اقترب وجده ملطخاً بالدم ويعتصر ألماً وحسرة.