تقول مارجريت تاتشر "بدون الأسلحة النووية، سيكون العالم أقل استقرارا وأشد خطورة علينا جميعا".

أما جون كينيدي فيقول "يجب أن نقضي على الأسلحة النووية، أو هي من ستقضي علينا".

يمثل هذان الرأيان مدرستين متناقضتين في فلسفة القوة النووية، وكل فريق له أسبابه المنطقية ودوافعه. فالمؤيدون للقول الأول يرون أن الأسلحة النووية تعزز السلام، وتسهم بشكل فعال في تهدئة الأوضاع السياسية المضطربة. فخوف الخصم من التصعيد، سيردعه عن ردة الفعل. ومن الأدلة على ذلك، توقف الحروب وانخفاض حدة التوتر بين الصين والهند، وبين الهند وباكستان بعد امتلاكهم الأسلحة النووية.

قبل امتلاك السلاح النووي خاضت الهند وباكستان عدة حروب.

بينما يرى المعارضون عكس ذلك، إذ إن الأسلحة النووية تزيد من احتمالات نشوب الحروب، خاصة مع الدول غير النووية، وتدخل الدول في حالة تسابق نووي.

ولكن الآراء الفردية قد تتغير، فهذا أبو القنبلة النووية الأميركية، روبرت اوبنهايمر، الذي قاد المشروع النووي الأميركي، يتحول بعد تفجير هيروشيما وناجازاكي من أكبر المؤيدين إلى أبرز المعارضين للأسلحة النووية، حتى إنه عارض صنع القنبلة الهيدروجينية، واتُّهم على إثر ذلك بارتباطه بالشيوعية.

هذه الآراء الفردية لا تعبر عن سياسات الدول، فكل الدول النووية لها "عقيدة نووية" (nuclear doctrine) تؤمن بها، وتمثل هذه العقيدة الأهداف الإستراتيجية للدولة من امتلاك السلاح النووي، ومبادئ استخدامه، بعض هذه الدول يعلنها والبعض الآخر يخفيها، وهذه العقيدة تتجدد وتتطور بين فينة وأخرى، حسب الظروف المحيطة، وبما يتوافق مع سياسات الدولة، ولقد جددت الولايات المتحدة الأميركية منتصف الشهر الجاري "عقيدتها" النووية، وصدرت عن رئاسة هيئة الأركان المشتركة الأميركية تحت عنوان العمليات النووية أو "Joint Publication 3-72, Nuclear Operations" (لمن أراد الرجوع إليه).

الوثيقة -والتي لم تتغير عن سابقاتها- تبين الإستراتيجية النووية للولايات المتحدة، وتُتخذ كدليل إجرائي لتخطيط وتنفيذ وتقييم العمليات النووية العسكرية، وهذه العقيدة تنص على أن القوة النووية توفر القدرات لتحقيق الأهداف الوطنية للولايات المتحدة، وعامل ردع للتهديدات. وتقوم القوة النووية بـ4 أدوار أساسية في الإستراتيجية الأميركية: التصدي للهجمات النووية وغير النووية، ضمان أمن الحلفاء والشركاء، تحقيق الأهداف الأميركية في حال فشل الردع، والتحوط من المستقبل المجهول.

أما روسيا، فإن عقيدتها النووية مضمّنة في عقيدتها العسكرية، وتنص على حقها في استخدام السلاح النووي في حال الهجوم عليها أو على حلفائها بأسلحة الدمار الشامل. وقد طرأت بعض التغييرات على العقيدة النووية الروسية من أيام الاتحاد السوفيتي. فروسيا كانت متمسكة بمبدأ عدم الاستخدام الأول، ولكنها تخلت عنه في آخر تحديث لعقيدتها العسكرية.

ولقد تبنّت عدد من الدول النووية مبدأ لن نكون أول من يبدأ "No first use" باستخدام السلاح النووي، بمعنى أن امتلاكها للسلاح للردع فقط، فالصين أكدت ذلك عدة مرات، قد يكون سبب ذلك أن القدرات العسكرية غير النووية للدولة كافية لصد أي هجوم غير نووي.

وفي 2003، نشرت الهند عقيدتها النووية الجديدة، وتقوم أيضا على مبدأ عدم البدء باستخدام السلاح النووي، وعدم استخدامها ضد الدول غير النووية، ولكنها ستترك الخيار مفتوحا في حال الهجوم عليها بأسلحة كيماوية أو بيولوجية.

في المقابل، هناك دول نووية ترفض مبدأ البدء الأول بالاستخدام، مثل الولايات المتحدة وباكستان، فباكستان من الدول التي لم تعلن أو تنشر عقيدتها النووية، وهذا لا يعني أنها لا تملك عقيدة، ولكن تفضل إبقائها متوارية، لأن نشرها قد تكون له أبعاد وتداعيات أخرى، ويمكن معرفة أبرز ملامح هذه العقيدة المتوارية من سياق الصراعات والأحداث المحيطة بالدولة، أو من تصريحات بعض مسؤوليها، والواضح أن أهم أهداف سلاح باكستان النووي هو ردع أي عدوان من الهند، ولكن الغموض يظل محيطا بعقيدتها النووية طالما لم تصرح.

أما إسرائيل التي تتعمّد سياسة الغموض تجاه برنامجها النووي، فتردد دائما أنها لن تكون أول من يستخدم السلاح النووي في الشرق الأوسط، ودون أي تفاصيل أخرى. وقد استنتج بعض المحللين من ذلك التصريح امتلاك إسرائيل ترسانة نووية.

أما فيما يخص الدول غير النووية، فإنها -بطبيعة الحال- تميل مع القول الثاني، أي التخلص من الأسلحة النووية، على الأقل على الصعيد الرسمي، ومن هذه الدول ما تملك التقنية النووية والقدرة على صنع سلاح نووي، ولكنها آثرت ألا تصنعه. مثل اليابان التي اتخذت هذا القرار بعد ما حصل في هيروشيما وناجازاكي.

بالنسبة للمملكة، فإن سياستها النووية واضحة وصريحة ومشروطة، كما جاءت على لسان ولي العهد في أكثر من مناسبة، أن المملكة تدعم الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ولن تسعى إلى امتلاك السلاح النووي، إلا إذا حصلت عليه إيران.