تذمّرت السيدة سيسيليا بيلازكويز، المواطنة المكسيكية البسيطة وغير المعروفة، من صرامة الإجراءات المتبعة في حصولها على الدواء المخصص لابنها من مؤسسة الضمان الاجتماعي في المكسيك.

تذمُّرها هذا قادها إلى الفوز بشيك قدره ستة وعشرون ألف دولار أميركي.

نعم عزيزي القارئ، ستة وعشرون ألف دولار، حصلت عليها لمجرد انتقادها سلسة إجراءات حكومية.

في مسابقة عجيبة وفريدة من نوعها، أقيمت على مستوى الدولة المكسيكية، وسُمّيت بمسابقة الإجراءات عديمة الفائدة والأكثر بيروقراطية، رعتها منظمة الشفافية المكسيكية، والشفافية المكسيكية الدولية.

تسابق المواطنون في الإبلاغ عن الإجراءات الأكثر بيروقراطية، والمثيرة للضحك والسخرية، التي يواجهونها في أجهزة الدولة ومنشآتها. وتقدموا بابتكار الحلول التي تحد من تفشيها وانتشارها. إذ رأت الحكومة المكسيكية أن كثرة الأعمال المكتبية غير المجدية أو المعقدة، أصبحت مكلفة في كل أجهزة الدولة، وذلك يعود إلى العقلية البيروقراطية القديمة التي نشأت أيام الاستعمار الإسباني للمكسيك، إذ نشأت أجيال من البيروقراطيين عبوسي الوجوه، الذين يسعون بكل الطرق لوضع متطلبات لا داعي لها، وذلك للحصول على الرشاوى والأموال غير المشروعة، ولذلك أوجدَت إجراءات تمكّنها من تأخير بعض الأعمال التي تنتهي في ساعة إلى أكثر من أسبوع.

طبعا، هناك عدد من الدروس التي قدمتها المسابقة، منها أنها أجبرت الأجهزة والمكاتب الحكومية على مضاعفة التزاماتها تجاه الخدمات التي تقدمها للمستفيدين، وذلك إما بإلغاء ذلك الإجراء المعقد، أو إعادة تصميمه، أو تحويله إلى عمليات مؤتمتة. كذلك من الدروس المستفادة من هذه التجربة، أنها جعلت الشعب المكسيكي يفحص كل الإستراتيجيات والإجراءات التنفيذية المتبعة في الأجهزة الحكومية، وينظر فيها، ثم يعيد ترتيبها بالشكل الأسهل، مما أدى إلى خفض تلك الإستراتيجيات والعمليات والإجراءات من أكثر من 5800 إجراء إلى ما لا يزيد على 3000 إجراء فقط.

أنطلقُ من هذه التجربة للحديث عن الشفافية الإدارية في المملكة. وقبل البدء في هذا الموضوع، أود أن أشير إلى أن المملكة حصلت على المرتبة الـ58 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018.

لا شك أن لجنة الفساد التي رأسها الأمير محمد بن سلمان، أعطت دفعة كبيرة للشفافية حول الذمم المالية لعدد كبير من الأشخاص الذين تعاملوا مع الحكومة، بشكل أو آخر. إلا أن ديمومة ممارسة الشفافية الإدارية في الجهات الحكومية والخاصة، يجب أن تكون مستمرة وفعالة وواضحة. والديمومة المستمرة تحتاج إلى جهاز دائم ومستمر، والحقيقة أنني لا أجد جهة حكومية متخصصة حول مسائل الشفافية الإدارية في المملكة. قد تكون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هي الجهاز الحكومي الأقرب لهذا الأمر، إلا أنني باطلاعي على هيكلها التنظيمي لم أجد إدارات متخصصة في بناء الإستراتيجيات وإصدار التقارير وتصميم النماذج، ومتابعة الجهات الحكومية وشبه الحكومية فيما يتعلق بممارسات الشفافية الإدارية والمالية والإجرائية.

يمكنني القول، إن الخدمة المدنية ومع نظام مواردها البشرية الجديد، والذي تركت فيه الحرية للجهات المتعددة بممارسة التعيين والتوظيف والنقل والترقيات دون الرجوع إليها، أقول ومع أن هذه خطوة جيدة، إلا أنني أتخوف من إمكان تغييب الشفافية في فترات لاحقة داخل الأجهزة البيروقراطية العتيدة.

عموماً، وبما أن الرؤية واضحة ومحددة، وبما أنها أنتجت كثيرا من المنشآت الخاصة لتسييرها، وحسب اطلاعي، لم يتم إصدار هيئة أو جهاز حكومي متخصص في الشفافية. فإنني أدعو إلى تغيير مسمى «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» من هذا المسمى لتكون «الهيئة السعودية للشفافية ومكافحة الفساد». على أن يكون لديها نائب خاص بما يتعلق بالشفافية، ينشأ تحت إدارته عدد من الدوائر الخاصة بمتابعة التقارير العالمية وإصدار تقارير مماثلة لها، وأن يكون لديها ارتباط مع المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة، وديوان المراقبة العامة، والنيابة العامة، وغيرها من الأجهزة الرقابية فيما يتعلق بمؤشرات الشفافية وآليات إصدارها، وكيفية تدريب الموظفين الحكوميين على ممارستها، وغيرها من المهام التي بالتأكيد ستنشأ لديهم نتيجة أهمية هذا الملف الكبير.

بالمناسبة، أحب أن أذكّر جميع العاملين في القطاع الحكومي وشبه الحكومي، بأن الرؤية تقول ما نصه «نعمل على تحديث ممارسات الحوكمة والإدارة لدينا، للارتقاء بها إلى المعايير الدولية، وضمان مستويات عالية من الشفافية والمساءلة. وسنعمل على نشر أهدافنا وخططنا ومؤشرات أدائنا، بحيث يمكن للجميع متابعة التقدم والتنفيذ».

@faissal_ms