ناقش مجلس الشورى توصية حول أهمية تشديد الرقابة على الأعمال الفنية المرئية والمسموعة لمنع الأعمال الهابطة، أو التي تسيء لسمعة المملكة.

هو خبر يحمل في طياته كثيرا مما يدور في نفس كل مواطن صالح صادق يريد أن يرى بلاده السعودية في الموقع اللائق بها، بعيدا عن تشويه الأصدقاء والأعداء، ويحرص على أن تبقى مكارم الأخلاق مصانة ومحفوظة.

هدفان عظيمان لا أظن عليهما أو حولهما اختلاف، ربما حضور توصية مجلس الشورى بسبب كثرة الأعمال المسلوقة في زمن الفضائيات المفتوحة، أو بسبب ما يأتي إلينا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع سيئة أو سمجة، أو بسبب تحول شهر رمضان إلى موسم للمنافسة الدرامية، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن بعض الأعمال الدرامية والبرامج التي عرضت خلاله لم تكن لتتناسب وروحانية الشهر، وربما أن مجيئها بدافع من انحدار المستوى الدرامي على مستوى العالم العربي، بدليل أن بعض الدول النشطة فنيا، كمصر على سبيل المثال «تقيم حملة» كل عام، لمكافحة الفن الهابط بعد أن تقيّم الأعمال الفنية تقييما من قبل نقاد فنيين، لما قُدم من مسلسلات وأفلام سينمائية وبرامج فضائية، والجميع يعلم أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي متاحة للجميع، لذلك ما أكثر ما يصل إلينا من مقاطع مرئية ومسموعة لأشخاص ألبسناهم رداء «الشهرة»، مجمل ما يقدمونه من مقاطع لا تخرج من دائرة الفوضى والسخرية والسماجة والفوضى والغثاء والتفاهة.

وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت «وكالة من غير بواب» فكل شخص بإمكانه أن يمتلك محطة بث من خلال «هاتفه المحمول» يقدم عبرها ما يحلو له، دون حسيب أو رقيب، فهو من يعد ويقدم ويمنتج ويخرج ثم بضغطة زر يرسل عبر حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي ذلك الغثاء الذي لا نفع منه، والمتابع للمسلسلات الخليجية سيجد أنه أمام قصص متشابهة في أبطالها وأحداثها، وإن اختلفت في عناوينها فقط، فبعضها لا يعكس حقيقة المجتمعات الخليجية، ولا يبرز الجوانب الخيرية التي تتسم بها مجتمعاتنا، ولا ينقل طبيعة حياة الناس وأصالتهم التي تمتلئ بكثير من المواقف والحكايات التي كان حريا بأن تسجل وتوثق وتنقل للأجيال الحاضرة، ليتعرفوا على طبيعة مجتمعاتهم وعلى إرثهم التاريخي والاجتماعي، ولا يكون تركيزها فقط على الجوانب السلبية المبالغ فيها أحيانا.

إن توصية مجلس الشورى التي «أزعجت» بعضهم، وجعلتهم يخرجون عن صمتهم ويعترضون عليها لا لشيء، إلا أإنها ربما قد مست وضعا سيئا هم يعرفونه؛ كانت ضرورية لحماية القيم الأصيلة، القيم الدينية والوطنية والأخلاقية والسلوكية والاجتماعية، في ظل فوضى وسائل التواصل الاجتماعي، وما تحفل به الفضائيات من أعمال تحمل الغث والسمين، واعتمادها على استنساخ البرامج الأجنبية المكلفة التي لا يمكن لأحد أن ينكر تأثيرها على ذوبان هوية المتلقين من الصغار وشريحة المراهقين الذين يميلون لتقليد ما يشاهدونه في الإعلام ومحاكاتهم لكل سلوك، لهذا أستغرب انزعاج البعض من توصية تدعو إلى حفظ القيم وصيانة سمعة السعودية، فيما كنا ننتظر أن تصدر منهم هذه التوصية أو هم من يبادر إليها سيما وهم يزعمون أن للفن رسالة، مما يجعلنا نتساءل، إذن ما هي رسالة الفن والإعلام في المجتمع؟.

إذا أردنا أن نتحدث بصراحة، من منطلق أنه يهمنا صيانة الأخلاقيات وسمعة الوطن، فيجب أن نقول إنه يجب الارتقاء بالأعمال الفنية مع الاهتمام بالقيم والإبداع والمبادئ الأخلاقية، ونبذ كل ما يمكنه أن يتنافى مع قيمنا وأخلاقنا وتراثنا، ولا يمكن لأحد أن ينكر التأثير الذي يصنعه الإعلام في برامجه ومسلسلاته.

ومن التحولات ظهور التقاليع الغريبة، والقصات المفجعة، والسلوكيات المزعجة، وانغماس فئة في المخدرات والتدخين رغم التحذيرات من العواقب الوخيمة، وظهور الأفكار المنحرفة التي تسهم وسائل الإعلام المفتوح التقليدي والجديد بما تبثه في نشوئها، ومن الخطأ اعتبار هذه التحولات واقعا مفروضا علينا التعايش معه.

نحتاج إلى جهود مؤسسات المجتمع التربوية، ومن بينها الإعلام لمواجهة الانفلات من عقال القيم في ظل تراجع دور الأسرة التربوي، وفي ظل ضعف تأثير المدرسة التي تحولت إلى التركيز على التعليم فقط، وفي ظل التوجهات الإيديولوجية لوسائل الإعلام لصناعة أجيال حسب الطلب، وبحكم أن المواجهة أصبحت غير متكافئة مع مصادر تنافس الأسرة والمدرسة في «التربية» في الاتجاه المعاكس.

ولأني كنت متابعا لردود الأفعال حول توصية مجلس الشورى تلك، فقد وجدت أن الأغرب من احتجاج من عارض توصية مجلس الشورى، وكأنهم يرفضونها، هو أن تسمع أو تقرأ لمن «يبرر» للضياع الأخلاقي والسلوكي، أولا بتبرير حرية الإعلام، وثانيا بوصفنا -حسب رأيه- جزءا من الإنسانية، وبالتالي فإن علينا أن نتغير مثلما العالم يتغير، وهذا صحيح، ولكن كيف نتغير؟ ليتهم يقصدون أن نتغير إيجابيا وهو مطلوب، والتغّير من سنن الحياة التي لا يقف في وجهها أحد، لكن هذا الفريق المبرر يرى أن نقبل بكل شيء من تلك المتغيرات ولا نقف في وجه رياح التغيير، سواء أكانت التغيرات إيجابية أو سلبية، لأننا بحسب رأيهم من ضمن البشر في هذا العالم، وبالتالي حسب رأيهم لا يمكن لنا أن نبقى في زاوية محجوبة من العالم من الأرض، ولا يمكن أن نظل نتمسك أو نصر على التمسك بهويتنا، أو ننكفئ عليها، ولا بد أن نجاري العالم!.

مفهوم غريب واستسلام عجيب من هؤلاء في عدم التشبث بما يميزنا من قيم وأخلاقيات وفروسية وشيم وقيم ومكارم أخلاق، من المفترض، بل يجب أن تبقى معنا ونصونها لأنها جزء من ديننا وهويتنا وثقافتنا!.