«لا تصدق كل شيء تسمعه»

سارة شيبارد

قبل فترة قابلت مسؤولا من العيار الثقيل، وفوجئت بمعلومة نقلت له بشكل خاطئ.. ليست هذه هي المشكلة، الأدهى في الموضوع أنها معلومة لا تقبل القسمة على اثنين، وهي شبه علنية ومعروفة حتى للعامة.. طبعاً شعرت أن المسؤول فوجئ مثلي ولكن باحترافيته حاول إخفاء دهشته، وبادرت بالقول «إذاً معلومة مثل هذه نقلت لك خطأ فلا أثق ببقية ما نقل لك عني بتاتا»، وأعتقد أنه إلى حد ما وصل لنفس القناعة.

سابقا كان يقال «وما آفَةُ الأَخبار إلا رُواتُها»، لكن حديثا يمكن اختلاق خبر من لا شيء، لأسباب ومصالح عدة، سواء كرها أو حبا أو صداقة، وهذا يقتل المصداقية، لكنه للأسف منتشر ويؤثر في اتخاذ القرار، وربما أغرب شيء هو الخوف!.

قبل بضع سنوات حدث خطأ موثق من أحد الموظفين الشباب في أحد القطاعات الحكومية، وفي إحدى المناسبات قابلت رئيس هذا القطاع، وسألته عن الموضوع فأكد لي بقوة أن هذه ليست سياسة أو نظام القطاع لديه، وكان حريصا على معرفة من ارتكب الخطأ، وللحق اتصلت بي الجهة المعنية مرتين لمعرفة اسم المتسبب، وكنت بين خيارين أحلاهما مر، إما إعطاء كامل الموضوع للجهة، وكيف أفعل ذلك وأنا أكتب منذ سنوات عن دعم الشباب السعودي وإعطائهم الفرصة، وهذا عكس ما أدعو إليه، أو أسكت عن الموضوع، خصوصا أنه لا يخص جهات أخرى، ولكن ستتأثر علاقتي مع الجهة.. آليت السكوت، إلى هنا تبدو الحكاية عادية، إلى أن تقابلنا بالصدفة أيضا مع الرئيس المباشر لهذا الشاب، والذي عاتبنا على قسوتنا على الشاب، وحكى لنا قصة مختلقة كلياً.. الشاب الذي حاولنا حمايته لما أحس بالخوف اختلق شيئاً لا أعلم من أين أتى به، ولو لم يكن الموضوع موثقا لأصبح للقصة وجوه عدة، ولست نادما على دعمي للشاب إلى الآن.

لست أدعو إلى عدم تصديق كل شيء، لكن عبارة وليم شكسبير مهمة «من باب الأدب استمع للبشر جيداً، أما من باب الاحتياط فلا تصدق كل ما يقولون»، أحب أن أنصت للناس، لكن أعرف أن هناك تقاطع مصالح، وأجندة خفية قد أعرفها وقد لا أعرفها، فلا آخذ الكلام دائما كأنه من المسلمات، بل أحب أخذ مقولة مارك توين كشعار «من الحماقة أن تكره أحداً لأنك سمعت شخصاً يتحدّث عنه بسوء»، وكثير من الناس الذين ذكروا لي بسوء قابلتهم فلم أجد منهم إلا خيراً، والعكس صحيح أيضاً، وعادة من يتكلم لي عن الغير فربما يتكلم عني أمامهم لذلك تذكر دائما أن «الإشاعات التي تسمعها عني صحيحة بقدر الإشاعات التي أسمعها عنك».

قبل ما يقرب من عقد من الزمن حصل بيني وبين أحد المسؤولين خلاف شخصي حاد يعرفه كثيرون ممن عايشوا تلك الفترة، ومن باب المصداقية بعد مرور هذه المدة من الزمن، أعتقد ربما أراد الرجل ما يسمى «قرصة إذن» وربما لم يكن يسعى لإيذائي بشكل دائم، ولما اتخذ القرار ضدي قلت (زين إنها جت منه)، الحمد لله وحده تيسرت أموري بطريق يسره الخالق لي، وبعدها بفترة قابلت أحد المسؤولين الأعزاء الذي قال لي إن ذلك المسؤول كتب في الفقير لله ما لم يكتبه مالك في الخمر!، فقلت شيء متوقع جداً، حتى يبرر قراره يجب أن يجد أو يختلق شيئاً، لكن لا أريد أن أعرف ماذا قال أو كتب عني، وليست لدي الرغبة في تضييع وقتي وجهدي في الرد، ويعلم الله مضى ما يقرب العقد من الزمن لم أطلب من الجهة رؤية ما كتبه أو الرد عليه مع أن بعض الأصدقاء حثني على ذلك، وطالبني بجره للقضاء.. سابقا كنت أحرص كثيرا على الرد والملاحقة من باب أنه ربما سيظلم غيري، أو أنه من باب تعديل الخطأ ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، أما من عدة سنوات فأصبحت لا أهتم بالأمور الشخصية، ولا أنقد الأشخاص ولكن الجهات، وأصبحت أبحث عن الصورة الأكبر، ربما أصبحت أتبع ما يقوله اندرو كارنجي «كلما زاد عمري قل اهتمامي بما يقوله الناس وأكتفي بمشاهدة ما يفعلونه».

بعد ما يقرب من العقدين من الحياة في عدة دول، أميركا الشمالية وثم أوروبا وآسيا، اكتسبت أو حاولت اكتساب ألا أدخل العمل في الأمور الشخصية، أو أشخصن الأمور، والحمد لله عرف عني من كثير من رؤسائي أنني حاولت إدخال كثير من الناس الذين اختلف معهم في اللجان أو الأقسام التي استلمتها، ولكنهم ذوو مؤهلات ومهارات، ولا تهمني آراؤهم بي، بقدر مدى خدمتهم وكفاءتهم للعمل والمؤسسة، بل تعمدت في أكثر من لجنة إدخال أناس يختلفون بشكل شبه كلي عن آرائي من أجل الاستماع لوجهة نظر مختلفة، والشيء بالشيء يذكر، قبل أسابيع كنا في اجتماع لبحث المرشحين لتسلم بعض المناصب فوجدت اسم أحدهم غير موجود، فطالبت به فقالوا تم حذفه لاختلافه معي كليا في السابق، حتى أن بعض الزملاء قال إن في العالم العربي يختلف الوضع إذا كنت تفكر أن تضعه تحت جناحك، لأن الأمور الشخصية تبقى مسيطرة، فقلت لا أبداً، لا أريده تحت جناحي، ولا أعتقد أننا سنصبح أصدقاء مقربين، لكن لديه مهارات جيدة للمنصب، وأعتقد أنه من غير المناسب حذفه لمجرد خلاف شخصي قديم، وربما سيقرأ الزملاء هذا المقال وسيتذكرون نقاشنا.

تعودنا عندما نسأل عن شخص للتقييم أن نقول إنه ليس من الموضوعية أن أتحدث عنه إما بسبب خلاف أو صداقة، لذلك الحكم لن يكون دقيقا، وكانت تقبل إجابتنا، لكن للأسف يوجد البعض في مجتمعنا عندما يسأل عن شخص يخفي طبيعة العلاقة سواء عداء أو محبة، ويبدأ بمدح أو شتم أو اختلاق.

أحد المسؤولين السعوديين قبل سنوات، عندما كنت أكتب لمسؤوله الذي هو أعلى منه عن أدائه، كنت أرسل له نسخة من الخطاب، وكان يقول «تبغى تقهرني تشتكي أدائي وترسل لي نسخة!»، فكنت أرد بأن ذلك ليس استفزازا، ولكن من باب عدم الطعن بالظهر، وحتى أعطيك الفرصة للرد، وهذا هو حي يرزق.

نرجع لموضوع المسؤول الثقيل الذي تحدثت عنه في بداية المقال.. لا يهم أن يغلطوا بمعلومة معروفة عني، لكن هناك قرارات أهم بكثير جدا من معلوماتي، وتحتاج دقة حتى يتمكن المسؤول من اتخاذ القرار الصحيح والأنسب، يجب وضع آلية للتحقق من المعلومات، ومن عدة مصادر، وسماع جميع الآراء، حتى تتكون لدى المسؤول صورة واضحة للوضع، وبناء عليه يتخذ الأفضل للبلاد والعباد.