قبل سبع سنوات، وفي صحيفتي الزرقاء هذه، كتبت الرقم واحد من سلسلة (خاص جدا ولكن للنشر)، وبعدها بعامين كتبت الثاني، ثم واصلت الثالث بعد الثاني بأربع سنوات، واليوم أكتب الرابع، وكلي شكر وحمد، وسرور وفخر.

الشكر والحمد لله على أن بلغني ومحبوبتي زوجتي، وقبلنا والدتينا الغاليتين، ثم أولادنا، ومن يعز علينا؛ فرحة تخرج الابن محمد من (كلية القانون)، بـ(جامعة السوربون)، تلك الجامعة الباريسية العريقة، ذات التقاليد والثقافات الغنية، وحاملة السمعة العلمية المميزة..

سروري وفخري بهذه المناسبة الخاصة، لابني البِكر؛ جعلني مترددا بين إخفاء ما أود كتابته، أو البوح به، خاصة وأنها وكما ذكرت مناسبة خاصة، وشجعت نفسي بأن من المشاعر ما لا يحبذ كتمه، والناس في غالبهم شركاء في مثل هذه الحوادث والمناسبات؛ ومن هنا قررت أن أغتنم مقالي، وأجعله فرصة لتوجيه الابن ـ وأي ابن ـ بما يراه الأب ـ وكل أب ـ في مثل هذه السانحة.

يا محمد يا حبيبي.. أنا على يقين بأن سنوات (القانون)، ومن (السوربون)، الصعبة على الفرنسي قبل العربي، كانت كفيلة في أن تثبت في تفكيرك الحرية، وكيف يمكن أن تبني حكمك الخاص، على من حولك وما حولك، وفي ذات الوقت كيف تكون مسؤولا عن نفسك، وقادرا على تعزيز الكرامة، وناشرا لثقافة السلام.

يا محمد يا غال.. لا أدري أين ستتجه بك بوصلة الأيام القادمة؛ هل إلى إكمال المسيرة التعليمية، أم إلى الوظيفة، أم إلى الجمع بينهما، وهل ستقرر أن تكمل نصف دينك الآن، أو غير ذلك، وقد تركت ومحبوبتي لك حرية القرار، مؤمنين بربنا، بأنه سيعينك إن واصلت ما أنت عليه من تقوى واستقامة..

يا محمد يا ابني.. اليوم أكثر من أي يوم مضى؛ أنت محسوب على وطنك الغالي، وعلى أهلك الكرام، وعلى علمك، وعلى من علمك، وعلى من أحسن إليك، وعلى ما تتلفظ به، وعلى ما تكتبه، وفي نفس الوقت أنت أمين ومؤتمن على كل ذلك وأكثر، وكما ألمحت إليك قبل أيام لقد بدأتَ مرحلة مفارقة كثير من عاداتك؛ لا لأنها عادات سيئة، وإنما لأن الظروف تقتضي ذلك، وهنا أهمس في أذنيك إلى ضرورة أن تكون مسايرا لواقعك قدر الإمكان، مرنا مرونة لا تضرك، قويا قوة لا تزعج بها من حولك..

أخيرا، وليس آخرا، يا محمد، يا أخا الأمس والغد.. فكر كثيرا في شرف عملك، وكن صاحب ضمير حي، ومنعة قوية، واعترف بعجزك، واستنجد بمن هو أعلم منك، وإذا ما شاهدت أمواجا متلاطمة، فتجنبها، وابحث لك عن مكان هادئ، وابحث دائما عن التميز، وطريق ذلك أن تقارن وتفاضل، وأن تبحث وتبدع، وأن تحذر في حياتك كلها من «تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين».