«لدينا أسرة فقيرة - أثابكم الله - بحاجة إلى إحسانكم لا يملكون قوت ليلة»، وأخرى «نريد حفر آبار في أفريقيا وسنرسل لكم صورة المشروع موضوعة عليه لافتة تحمل اسم فاعل الخير»، وأخيرا «أسرة فقيرة بحاجة إلى كسوة العيد ما لها إلا الله ثم عطفكم»، جمل استعطافية تُدغدغ السُذَّج، يروجها بقية باقية من تيار الصحوة البائدة عبر «قروبات الواتساب»، فماذا وراء هذه الترويجات؟.

لقد شاء الله أن أكون أحد أفراد «قروب» ضجت سماؤه بهذه الهتافات المستمطرة لما في جيوب أعضاء القروب، فتوجست برهة، وأرسلت لهذا «الشحاذ» وقلت له: أرسل لي موقع الأسرة على الخرائط؛ لأن لدي أثاث فائض عن الحاجة لأوصله، فما كان من هذا «الأفاك» إلا أن استعد بذلك أمام الأعضاء فقط، ولكنهُ على الخاص استخدم مبدأ «التصريف»، ومرت الأسابيع، وإلى الآن لم يرسل لي الموقع، «ولا هم يحزنون»!.

تساءلتُ مع بعض أعضاء القروب عن سلوكه هذا، فقالوا «من زمان وهو يسوي كذا»!، فقلت: وماذا تفعلون؟! قالوا: أحياناً يحرجنا بثوب الدين والأحاديث الشريفة - وأقول التي يشوهها برسائله - فنصبح على حرج منه فنحول له المبالغ المالية، فسألتهم بغضب: أتعلمون أين تذهب أموالكم؟، هل يوافيكم بمستندات معينة؟ هل هو تابع لجهة رسمية؟، فأجاب أحدهم بنبرة تقول «أظنه كذاب»، قائلاً: بعث لنا ذات مرة بصورة لافتة موضوعة على بئر في أفريقيا باسم أحد أعضاء القروب! فقلت: عجباً لكم ما أسذجكم بل ما أضيعكم!.

خلف كواليس هذا السيناريو باختصار: رجل - ومثله كُثّر - يعمد إلى أن تكون له مظاهر الالتزام، وأن يكون طويل اللسان، ويحفظ بعض الآيات والأحاديث التي تحث على الصدقة، يرسلها لعشرات القروبات «واللي يصيب يصيب» ويضع رقم حساب بنكي أو أرقام، ويتعهد «أمام الله» أنه سيوصلها لمستحقيها «الوهميون» ويجني عشرات بل مئات الألوف شهرياً!، والسؤال أين ستذهب؟، هل هي عبارة عن عمليات نصب واحتيال أم غسيل أموال؟ أم تمويل لجهات مشبوهة؟ لا أعلم، لكن الأكيد أن كل ما كان يُدار بهذه السرية والتكتم أمر مخالف للصحة وورم خبيث لا شك، وإن اغتر صاحبنا بتلك «اللوحة» التي وضعها باسمه على البئر «المزعومة» فما يدريك لعلها بئر جمعَ حولها عدداً من الأفارقة في إحدى القرى النائية، وعملَ لوحة كلفته 300 ريال من الدعم الذي قد يصل 30 ألف ريال وصورها مدعياً انتهاء المشروع الوهمي!.

وقبل الختام، فإني أسألكم سؤالاً: كيف وصل هؤلاء الفقراء لهذا الشخص تحديداً من بين كل الناس، لماذا قصدوه تحديداً، ولماذا كل أسبوع أو أسبوعين يتبنى مشروعاً كاذباً؟

كيف أصبح يعرفه الأفارقة والأسر الفقيرة محلياً ودولياً وهو ليس لديه حتى «بقالة» خيرية؟ ما في البلد إلا هذا الولد؟!.

ختامًا عزيزي القارئ «مرتاد قروبات الواتساب» احذّر أن تنطلي عليك هذه الأكاذيب، وإن كانت من الشيخ فلان الفلاني الذي تراه الإمام العلامة! واعلم أن لك دولة ذات منافذ رسمية معتمدة لفعل الخير، وصل خيرها الشرق والغرب بوضوح وشفافية، وأبشرك بأنك تستطيع الوصول إليها بمجرد «ضغطة زر» إلكترونياً من أي مكان بالدنيا، واعلم أيضا أننا في حرب مع التيارات المتطرفة التي أصبحت «بائدة»، لكن لكل بائد «بقايا» وفلول تنتظر الفرص لتنفيذ أجندتها الخبيثة، فإياكم والتبرع للأشخاص من خلال القروبات، أو وسائل التواصل الاجتماعي، لا يخدعوكم.