عندما نعى صديقي إليّ السبت قبل الماضي وفاة العم رشاد بن علي زبيدي، أحد وجهاء مكة المكرمة، رحمه الله تعالى، سارعت مباشرة إلى كتاب كنت قد جعلته ضمن مجموعة من الكتب التي أنوي معاودة الاستمتاع بمطالعتها والكتابة عنها قريبا، أقصد بذلك كتاب (رشاد زبيدي.. أياد بيضاء وقصة وفاء)، الذي قام بإعداده فريق عمل مميز، دعتهم إلى ذلك رغبة ملحة صادقة من ابنه البار مروان، الذي انتقل إلى الدار الآخرة، عام 1437، بعد أن سبقه إليها أخوه الشيخ حسان، مؤذن المسجد الحرام، عام 1428، وقبلهما والدتهما الفاضلة نور بنت صدقة عبدالمنان، عام 1413، رحمهم الله أجمعين.

مناسبة الوفاة، ألزمتني الوفاء لشخصية مكية جميلة مميزة، سعدت بالتعرف على جملة بسيطة من جوانبها، من خلال لقاءات قليلة بيننا، منها ما كان قبل فترة، في داره العامرة بحي العوالي، جنوب شرق العاصمة المقدسة.. العم رشاد، فارق الدنيا عن 92 سنة، ومن تيسر له لقاءه، لا يمكن له نسيان صوته الذي كان يملأ المكان الذي يكون فيه، وحبه للمرح، وإتقانه لتناول الأمور المعقدة بكل بساطة، مع جرأة وشجاعة واضحة في قول الحق، مصحوبة ببعض اللذع أحيانا..

العم رشاد متميز جدا في علاقاته مع أفراد مجتمعه، وكذلك مع ولاة أمر البلاد، رحم الله من رحل، وحفظ من بقي، والجميل قيامه بتوظيف ذلك لخدمة من حوله، وقضاء مصالحهم، وبذل جاهه من أجلهم، ومما يعرف ويذكر عنه، أناقته في هندامه، وحرصه التام على مظهره، وعدم تنازله عن اللون الأبيض، وشخصيا أظن أنه لم يترك الغترة البيضاء مع الثوب الأبيض إلا مرة أو مرتين، ومنها تلك المرة التي رآه فيها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، وهو يرتدي الشماغ الأحمر المعروف، عندما تشرف بزيارة الأمير، مع مجموعة من أصدقائه، بعد انتهاء فتنة حادثة الحرم، عام 1400، وفي ذلك اللقاء فاتحهم الأمير معلقا: «الله الله.. رشاد لابس شماغ أحمر لأول مرة في حياته.. ثم سأله:«ايش اللي صار يا رشاد»، وهناك حضروا عرضا عسكريا مهيبا لجيشنا السعودي الباسل.

تركت في مقالي كثيرا مما يحسن لغيري التحدث فيه عن الفقيد الراحل، رحمه الله، وعن حياته العملية، ووظائفه المتعددة، في وزارة البرق والبريد والهاتف ـ ربما لا يعرف كثيرون أن الفقيد تحصل على دبلوم هندسة التلفونات والكوابل من القاهرة عام 1369 ـ وفي النقابة العامة للسيارات، وفي المجلس البلدي بمكة المكرمة، وفي خدمة حجاج بيت الله الحرام، وإسهاماته المتنوعة، مختتما مقالي بالدعاء لله بالرحمة له، والتعازي لأبنائه الدكتور نبيل، ومجدي، وبناته ملكة وأمل وسوسن، ولكافة أفراد أسرته، ومحبيه، ومجايليه، أدام الله عليهم وعلى الجميع الصحة والعافية.

@ABFadaaq