الإعلام الغربي بكافة أطيافه لم يشغله موضوع خلال الفترة السابقة كما شغله موضوع الأمير محمد بن سلمان، لدرجة أن مواضيع الشرق الأوسط في كفة، والأخبار والتقارير التي تتكلم عن الأمير محمد في كفة أخرى، لذلك السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا؟ ولي العهد محمد بن سلمان، أو كما أسميته في مقال سابق (ابن سلمان)، والتسمية لسببين أحدهما أن لقب جده الملك عبدالعزيز رحمه الله كان (ابن سعود)، وكلاهما الجد والحفيد غيرا تاريخ المملكة والعالم العربي، والآخر أحب نسبته لأبيه، فمن شابه أباه فما ظلم، وكم هو عزيز عليّ شخصيا اسم سلمان، وشخص سيدي أبا فهد.

أعتقد أن سبب التركيز على ابن سلمان عدة أسباب واعتبارات:

لنبدأ بالتغيير، وكلمة تغيير قليلة لما أحدثه ابن سلمان في المملكة والمنطقة، ممكن تسميته طوفان أو إعادة هيكلة متكاملة للمملكة والمنطقة، وهناك دائما أعداء للتغيير سواء داخليا أو خارجيا، في شرق أوسط اعتمد لعقود على الخمول والكسل وعدم التطور والشعارات الجوفاء، وفجأة جاء رجل يبث الحيوية والحركة في كل مفاصل الدولة والمنطقة، يقول إدوارد بيرنيز «العدو الأكبر لأي محاولة لتغيير عادات الرجال هو الكسل والجمود، إن الحضارة محصورة بالكسل».

إن تغييرات ابن سلمان شهد لها البعيد قبل القريب، يقول الكاتب الشهير توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» الجريدة التي لا تكن كثيرا من الود للسعودية «لم أكن أعتقد أنني سأعيش طويلاً بما يكفي لكتابة هذه الجملة: إن عملية الإصلاح الأكثر أهمية الجارية في أي مكان في الشرق الأوسط اليوم هي في السعودية».

السبب الثاني هو إعادة التوازنات وتغيير المراتب، كنا دولة تعد البنك المركزي للنفط، وهو المصدر شبه الوحيد، إذا زادت أسعار النفط انتعشنا واذا هبطت شددنا الأحزمة.. ابن سلمان غيّر المعادلة التي كانت لعقود، تنويع الدخل ليس شعاراً في الخطط الخمسية بل أصبح حقيقة، فقد فعّل أعمدة الاقتصاد السعودي السبعة كما نطلق عليها، وأصبح النفط عمودا من سبعة أعمدة تسند خيمة الاقتصاد السعودي، بل غيّر الترتيب والمراتب، طموحه أن يكون الشرق هو مركز العالم الحديث، وسينقل الثقل من القارة العجوز للشرق الأوسط الذي يتوسط العالم.. قد لا يحس الشخص العادي بالتغيير إلا بعد وقت، لكن هناك تغيير في مراكز القوى حول العالم، دولة مثل السعودية ستبقى مركز النفط العالمي، وأيضا يضاف لها الطاقة، وستصبح اللاعب الأكبر للبتروكيماويات والتكرير، هذا غير صندوق سيادي هو الأكبر في العالم، والذي لا يوجد مكان في شرق الأرض أو غربها إلا وله فيه نصيب واستثمار، يمكنك الآن أن تتصور النفوذ العالمي للمملكة.. هناك تغيير واضح في مراكز القوى قد لا يعجب كثيرين حول العالم حصروا رؤيتهم للسعودية بمحطة بنزين، وفجأة أصبحت السعودية من أهم اللاعبين الدوليين.. إذا كنت تملك الطاقة والمال والاستثمارات فقد أمسكت بأهم مفاتيح النفوذ العالمي، حتى عسكريا بدأت تعتمد على نفسك وتنوع شركاتك، ودون مبالغة، أمسكت القوة الناعمة، وطورت القوة الخشنة. فأكبر تحالف عسكري عالمي بعد الحرب العالمية حصل دون إذن وتدخل القوى العظمى هو تحالف عاصفة الحزم وتحالف مكافحة الإرهاب.

السبب الثالث، الإخوان واليسار والإيرانيون، ربما العدو الأول للإخوان في العالم هو ابن سلمان، أبطل أفضل أحلامهم وهو الشتاء العربي، عندما بدأ ما يدعى الربيع العربي كتبت بحثا أكاديميا منشورا بالإنجليزية بمجلة «العلوم السياسية» شككت بالربيع العربي، وقلت إنه ليس موجة ديمقراطية كما يدّعون، ومع مرور السنوات اتضح أنه مجرد طوفان لتفتيت الدول العربية وجعلها ضعيفة تابعة للإخوان والإيرانيين وضعيفة بجانب إسرائيل، والتحالف الإخواني الإيراني، وخصوصا اللوبي الإيراني في الغرب والإعلام اليساري المخترق وغير المخترق الذين يودون أن يروا العالم العربي جمهوريات موز، مما دعاهم للتعاون سويا بما يشبه التحالف لمهاجمة ابن سلمان فهو من أبطل خطة الخريف العربي.. أما بالنسبة للوبي الإيراني، فالهدف واضح والتوجيهات من طهران خصوصا أن القوة الصامدة التي تعيق توسع طهران في المنطقة هي المملكة والإمارات، أما اليساريون فقد ثبت خطأ الوصفات الجاهزة للديمقراطية، فلكل بلد خصوصيته والتطوير والازدهار ممكنان دون وصفة غربية يسارية، وهذا يثبت خطأ نظرية التعميم اليسارية، وهذا غير أن اليساريين تاريخيا معروفون بقربهم من الأنظمة المارقة.. طبعا ما زال بعض اليساريين يروننا بدو الصحراء، وأننا لم نبلغ سن الرشد لاختيار طبيعة نظامنا السياسي بأنفسنا.

رابعا، قضية الأستاذ جمال خاشقجي رحمه الله.. لا شك أن جريمة قتل خاشقجي خطأ فادح، وكان لها أثر إعلامي ودبلوماسي سلبي كبير، وكانت هناك حملة إعلامية شرسة وواسعة ومنسقة لمحاولة النيل من ابن سلمان، وساعد في ذلك ضعف أدواتنا الإعلامية العالمية وضعف دور سفارتنا في الخارج، لكن لنأخذ الأمور بموضوعية ودقة.. لا يوجد دليل واحد يربط ابن سلمان بمقتل الأستاذ خاشقجي ولو وجد لكان ظهر.

تاريخيا كانت هناك جماعات تخرج عن القانون وترتكب جرائم خارج أوامر الدولة حتى من موظفيها، ولذلك وجد مصطلح معروف عالميا (روغ اوبراشن) أو العمليات المارقة، وهي عملية أو إجراء يقوم به شخص أو مؤسسة دون علم أو تصريح من رؤسائه.. لماذا عندما أقدم الحارس الشخصي للرئيس الفرنسي على القيام بأعمال قاسية لم يقوموا بإلقاء اللوم على الرئيس الفرنسي بل اعتبروا أن هذا الحارس يمثل نفسه.. ولنأخذ الموضوع من ناحية قانونية، أليس المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، وإلى الآن لم يتم ربط ابن سلمان بأي دليل في الموضوع بل إن المتحاملين والمعلن عداؤهم للمملكة في الإعلام وعلى ابن سلمان رغم بحثهم المضني لما يقرب السنة كما المفتشة الأممية لم يجدوا دليلا على العلاقة، وإلا لكان ظهر في تقاريرهم، بل لنأخذ الموضوع من ناحية عملية، عندي شخص غيّر بلده والشرق الأوسط للأحسن، وأعماله ظاهرة للعيان ويشهد عليها الجميع، وعندي إشاعات على نفس الشخص، هل أكذب الحقائق وما تراه العين وأذهب وراء الإشاعات؟، هل هذا منطقي أو موضوعي؟.

أين الموضوعية والعدالة التي يدعيها الغرب في هذه القضية، بل أقول إن البعض كان يبحث عن أي فرصة لمهاجمة ابن سلمان، ولو لم يجد قضية خاشقجي لأوجد ألف سبب آخر، هم هيأوا وسهلوا بطريقة غير مباشرة الظروف لعملية قتل خاشقجي، بل سجلوها كي يبتزوا المملكة، وحتى عندما هدأ موضوع خاشقجي بدؤوا يتباكون على اليمن «ذوو النفوس الدنيئة يجدون المتعة في البحث عن أخطاء الرجال العظماء».

الآن تتم محاكمة الفاعلين وعادة في الظروف المماثلة ينتظر الإعلام حكم القضاء.. حتى القضاء هاجموه قبل أن ينطق الحكم مع أن المدعي طالب بأقصى العقوبات، فالموضوع ليس حقوق إنسان أو موضوعية.. هذه إيران تقتل وتشنق وتعلق بالرافعات عشرات الناشطين والإعلاميين ومدير منظمة (هيومان رايتس واتش) يمدح أخيرا حامل لواء البروباغندا للنظام الإيران، وزير خارجية النظام الدموي ظريف، أي نفاق هذا!.

عزيزي السعودي إن ولي عهدك مستهدف لأنه مختلف ولأنه قائد التغيير.. لا تستغرب الهجوم لأن للنجاح أعداء وحساداً، كن مع وطنك وفي النهاية ستصل لهدفك في عنان السماء.

في علم إدارة المشاريع يقال إن نسبة قليلة من المشاريع تنفذ في الوقت ودون تعديل، فما بالك عندما يكون المشروع إعادة هيكلة دولة كبرى مثل المملكة.. الرؤية ديناميكية ومتكيفة مع الظروف وقابلة للتعديل للوصول للهدف، لست أقول هذا لأني من أكثر المتحمسين للرؤية في كتاباتي، لكن المجهود على الأرض وعقلية ابن سلمان وإصراره يشيران إلى النجاح.

ابن سلمان لا يرضى بأنصاف الحلول، وميزة مهمة أحبها فيه أنه لا ينتظر الفرصة بل يصنعها، وكما يقول رالف إيمرسون «لا يوجد رجل عظيم يشكو من أنه يريد فرصة».

ما زال الشغف في ابن سلمان للوصول لعنان السماء يدفعه للعمل عشرات الساعات المتواصلة كل الأيام دون توقف، وكما قلت سابقا أعتقد أن مقولة بيل ماكارتيني تصف إلى حد ما طبيعة ابن سلمان «الأحلام الكبرى تصنع السحر الذي يقود أرواح الرجال نحو العظمة»، لكن الفرق في اعتقادي الشخصي أن ابن سلمان يسعى لعظمة البلد وليس لعظمة شخصية.