تتصدر المملكة العربية السعودية في هذه الأيام اهتمامات وسائل الإعلام العالمية، وتتوجه إليها أنظار العالم بأسره وهي تترقب موسم الحج الأعظم. كما تهفو إليها قلوب أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، يشاهدون قوافل الحجيج وهي تتنقل بسهولة ويسر بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، تحفّهم السكينة ويعلوهم الوقار وتغمرهم عناية فائقة وفرتها قيادة هذه البلاد المباركة التي تحرص على صحتهم وسلامتهم، وتسخر لأجل ذلك إمكاناتها الضخمة، ومقدراتها الهائلة، وجرت العادة على أن يباشر خادم الحرمين الشريفين بنفسه كافة الاستعدادات، ويطمئن على اكتمال التجهيزات المطلوبة، ويطلع بصورة مستمرة على التطورات، ويصدر أوامره المباشرة بكيفية التعامل مع المستجدات.

ولا يقتصر الاهتمام بالحجيج على مجرد ضمان سلامتهم ومعالجتهم من الأمراض الطارئة التي قد تصيبهم، بل تجرى لكثير منهم عمليات جراحية معقدة لأمراض مزمنة، وتشير الإحصاءات إلى أن المئات من عمليات القلب المفتوح تجرى للحجاج سنويا مجانا على أيدي كبار الأطباء والجراحين، وتقدم لهم الأدوية والعلاجات التي يتناولونها عقب العودة لبلادهم. ورغم أن حالة بعضهم الصحية قد تكون حرجة إلا أن السلطات السعودية تحرص على أدائهم فريضة الحج التي قدموا لأجلها، وعدم تفويت الفرصة عليهم، حتى لو تطلب الأمر نقلهم على متن مروحيات تمكنهم من حضور نسك الوقوف على صعيد عرفة. وقد كشفت الهيئة العامة للإحصاء في بيان صدر خلال الأيام الماضية، أن إجمالي عدد الحجاج الذين تشرفت المملكة بخدمتهم خلال الخمسين عاما الأخيرة بلغ قرابة 96 مليون حاج، ولك عزيزي القارئ أن تتخيل حجم الصورة الذهنية التي عكسها هذا العدد الضخم من الحجاج عن بلادنا، ومقدار ما تمتعوا به من خدمات استثنائية، وما رأوه بأعينهم خلال زيارتهم للمملكة.

وتستحوذ القصص الإنسانية على اهتمام وسائل الإعلام العالمية، وقد شهدنا كيف أن أحداثا من هذا النوع استأثرت بالاهتمام والمتابعة، مثل قصة رجل الأمن الذي خلع حذاءه وألبسه لحاجة كبيرة في السن وظل ملازما لها ويسير إلى جانبها وهو حافي القدمين حتى أوصلها إلى مقر سكنها، وقصة الجندي الذي لم يتردد في حمل أحد الكهول الذي تعرض للإعياء وعجزت قدماه عن حمله، وظل يطوف به البيت الحرام حتى أكمل الطواف. ومنظر أعضاء فريق الكشافة الذين يقفون في عز الظهيرة ليوزعوا الماء للحاج أو يقوموا برش رذاذ الماء على وجوههم للتلطيف من حرارة الأجواء. إضافة للعديد من القصص المؤثرة التي يكون أبطالها من أبناء هذه البلاد ويفعلونها بتلقائية وعفوية دون بحث عن الأضواء. وهذه القصص يكون لها أبلغ الأثر في تقديم صورة ذهنية إيجابية عن الإنسان السعودي واستعداده لتقديم المساعدة لضيوف الرحمن، مهما كلفهم ذلك من مشقة وتعب.

إضافة إلى ذلك فإن هناك جانبا آخر في غاية الأهمية وهو الجهد الكبير الذي تبذله السلطات المختصة لتثقيف وتعليم الحجاج شؤون دينهم بالصورة الصحيحة التي ثبتت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وتنويرهم بالأسلوب الذي يؤدون به شعائرهم على الوجه الأكمل، وإتاحة الفرصة أمامهم لزيارة المواقع التاريخية التي لها علاقة بالرسالة الإسلامية، مثل غار حراء ومتحف الحرمين الشريفين والمساجد التاريخية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، مما يجعل فترة أداء الفريضة ذكرى غالية ترافقهم طيلة حياتهم.

يأتي موسم الحج لهذا العام وبلادنا تشهد أحداثا إيجابية كثيرة، تستحوذ على اهتمام إعلامي مشابه، مثل القرارات الأخيرة المتعلقة بقوانين الأحوال الشخصية، والتعديلات التي صدرت على قانون الأحوال المدنية، ومقدار التنمية الاقتصادية التي تنتظم سائر القرى والهجر، والإنجازات التي تتحقق بصورة شبه يومية على كافة الأصعدة، ولا شك أن هذه النجاحات تجد طريقها للتغطية الإعلامية، مما يمثل فرصة ذهبية لتسليط الضوء على المملكة، ويساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية إليها، وتأكيد أن الازدهار الذي تشهده السعودية لم يتم بضربة حظ ولم يتحقق بعامل الصدفة، بل كان نتيجة عمل دؤوب شاق تم وفق خطط إستراتيجية مدروسة وواضحة، تستهدف المستقبل بعيد الأمد، وإستراتيجية تحمل توجهات ورؤى تنموية واضحة، وفق معطيات واقعية تستصحب إمكانات البلاد وتركز على تفعيل مقدراتها الطبيعية والبشرية، للوصول إلى الأهداف المنشودة، وفي الوقت نفسه تعتمد على تحقيق أكبر قدر من التطور المتوافق مع ما تشهده البلاد من جهود حثيثة لتعزيز أجواء الحرية والانفتاح.

بناء على ما تقدم، فإن هناك فرصة ذهبية على وسائل إعلامنا المحلية أن تنتهزها بالصورة التي تحقق أكبر قدر من الفائدة، وهي تسليط الضوء على الجهود التي تبذلها السلطات لتيسير أداء فريضة الحج، وعكسها للآخرين، وتبصير العالم أجمع وتعريفه بشعيرة الحج وكيفية أدائه، والصعوبات التي تذللها القوات العاملة في الحج، وكيفية تفويج هذه الحشود الهائلة التي تتحرك في وقت واحد إلى مكان واحد، ومن الأهمية بمكان أن يتم إصدار صفحات متخصصة بمعظم اللغات الحية ضمن صفحات الصحف حتى تكون الفائدة أكبر، فلا يكفي أن نخاطب الآخرين بلغتنا العربية، فالعرب يعلمون تمام العلم حجم التطوير والتحديث الذي تشهده المشاعر المقدسة بصورة سنوية، لكن الآخرين في أوروبا وأميركا وإفريقيا في حاجة مؤكدة لمعرفتها، فإن ذلك مما بات يعرف باسم تسويق النجاح، ولا بد أن يطَّلع عليه الآخرون، فالإعلام رسالته الأساسية تكمن في تسليط الضوء على بلادنا وتعريف العالم بمنجزاتنا الحضارية ومكتسباتنا الإنسانية، لما لذلك من انعكاسات إيجابية على بلادنا، ودور كبير في تقديم صورتنا الحقيقية، وحجة داحضة في من يحاول التطاول وتشويه الحقائق.