قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) قال ابن سعدي رحمه الله: «هذا أمر منه تعالى للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره».

والعزة إنما تكون بطاعة الله، ولا تُنال العزة بالإثم، أو بطاعة أعداء الله، واتخاذهم بطانة، وقد أنكر الله على من يبتغي العزة منهم فقال تعالى (أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون* هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ...الآية).

إن من نصرة دين الله إعداد القوة بكل معانيها القوة الإيمانية والقوة المادية والقوة التقنية وقوة اللحمة مع ولاة الأمر، والقوة في تفويت كل الفرص التي يفعلها أعداء الدين ضد ديننا ووطننا وقيادتنا، وقمع أدواتهم الذين وإن تكلموا بألسنتنا وانتسبوا لديننا فهم في الواقع أعوان لأعداء الدين ولهذا مكنوهم في بلادهم، ليكونوا أبواقا تثير الشر والكذب والحقد ضد وطننا وقيادتنا ومجتمعنا.

قال الله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) لم يقل أعدوا مثل قوة خصمكم، وإنما قال: ما استطعتم من قوة، فمن أطاع الله تعالى ونصر دينه، وأعدّ من القوة ما يستطيع فإنه منصور لا محالة، وقد قال تعالى (كم من فِئَة قَلِيلَة غلبت فئةً كَثِيرَةً بِإِذْن الله)، بل إن الكثرة مع الإعجاب بها سبب للفشل قال الله تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين)، فالإعجاب بالكثرة كان سببا للإدبار، لولا أن الله لطف بهم وأنزل سكينته عليهم كما قال تعالى (ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا).

إن مما يسر الخاطر أن بلادنا السعودية قامت وتأسست على نصرة دين الله، ولا يوجد لها نظير في العصر الحاضر من جهة نصرة الشريعة، ولا ندعي الكمال وعدم النقص أو عدم وقوع أي خطأ، كلا، الخطأ وقع حتى في القرون المفضلة، بل حتى في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- وُجد من سرق، ومن شرب الخمر، ومن زنى، ولكن الحدود تُقام ولله الحمد، وولاة الأمر يقولون قلوبنا وآذاننا ومكاتبنا مفتوحة لكل من لديه خير يرغب أن يقوله، فنسأل الله أن يوفقهم لكل خير، وأن يعينهم على الأمانة، ويصلح لهم البطانة.

وقد قلت ذات مرة لأحد الناس إن أحد زملائي يقول حدثني والدي -رحمه الله- أن مجموعة من المتحمسين جاؤوا إلى الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، رحمه الله، واشتكوا إليه ما يرون أنه منكرات (من وجهة نظرهم) صدرت من الملك عبدالعزيز، رحمه الله،

وقالوا: يا شيخ هذا منكر عظيم كالجبال.

يقول فأجابهم ابن سعدي بهدوء بقوله: إذا كان ذنب عبدالعزيز مثل الجبال كما تقولون، فحسناته مثل الليل، والليل إذا أقبل غطى الجبال.

فكتب إليّ: ومن مثل الملك عبدالعزيز رحمه الله.

فأجبته بقولي: أبناء الملك عبدالعزيز وأحفاده على منهجه وطريقته في نصرة الدين

فمثلا:

1 - مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وترجمة معانيه إلى لغات الدنيا، هذه حسنة كبيرة لم يسبقهم أحد إليها.

2 - مجمع الملك سلمان لطباعة السنة الشريفة وشروحها، وترجمة ذلك إلى لغات العالم، وهذه حسنة عظيمة، وما ظنك أخي الكريم بمن يعتنون بنشر الكتاب والسنة.

3 - خدمة الحرمين الشريفين وزوارهما خدمة ما عرف التاريخ له مثيلا.

4 - توفير أعداد هائلة من أهل العلم للفتوى للحجاج وإلقاء محاضرات في بيان أهمية التوحيد على مدار الساعة.

5 - استقبال أكثر من 250 جنسية في العالم لتعليمهم الشريعة في الجامعة الإسلامية وغيرها، على نفقة المملكة، ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.

6 - سهرهم لحفظ الأمن لننام مطمئنين، وهم يتابعون المستجدات، ويدرؤن عنّا الخطر.

7 - إقامة جوائز لحفظ القرآن وتفسيره لأبناء المملكة والعالم، ويرعى الملك وأمراء المناطق ذلك ويشجعون الحفاظ.

8 - عنايتهم بالتوحيد، فلا يوجد في بلادنا وثن يعبد، ولا كنائس.

9 - تطبيق الشريعة، فالقضاة في المحاكم يحكمون بالكتاب والسنة، وهم متخرجون من كليات شرعية.

10 - نص النظام الأساسي للحكم أن الكتاب والسنة هما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة، فهل يوجد دستور في الدنيا كلها غير السعودية ينص على ذلك.

11 - نصرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يقصر نظرك فتظن ذلك مقصورا على جهاز الحسبة، كلا، وإنما غالب وزارات الدولة تقوم بذلك أيضا، فمكافحة المخدرات تنهى عن المنكر، والمياه والكهرباء والطرق والتعليم والصحة وغيرها تفعل المعروف، ورئاسة أمن الدولة تفعل المعروف وهو حفظ الأمن، وتنهى عن المنكر وهو زعزعة الأمن وسفك الدماء، والتجارة تنهى عن المنكر وهو الغش التجاري... إلخ.

ولو أردت أذكر الحسنات التي يقوم بها ولاتنا لما استطعت حصرها، فهي كثيرة جدا، ووجود بعض الأخطاء أمر واقع، ونرجو الله أن يوفقهم لإصلاح أي خطأ، ولكن لا يصح أن ينسينا أي خطأ هنا أوهناك الحسنات العظيمة التي هي فعلا كالليل الذي يغطي كل نقص، قال تعالى:(إن الحسنات يذهبن السيئات)، فنحن في بيوتنا والتي لا تتجاوز 800 متر عندنا أخطاء فيها، فما بالك بدولة ممتدة من الخليج إلى المحيط، طبيعي يكون فيها نقص، لكن الخير أعظم وأكبر، والتفاؤل طيب، والخطأ يُعالَج.

فيا أخي الكريم -حفظك الله- أولاد الملك عبدالعزيز وأحفاده على طريقته ومثله، إن شاء الله، وحصل أيضا من الخير في عهدهم ما لم تسمح به الظروف في وقت الملك عبدالعزيز، رحمه الله، كطباعة المصحف... إلخ، فلنكن لهم أعوانا في الخير.