تداولت بعض المواقع الإعلامية توجه وزارة الإعلام إلى إصدار قرار بإيقاف الصحف ذات الصفة العنصرية أو القبلية أو المناطقية، ورغم أن هذا القرار (إن كان صحيحا) قد تأخر كثيرا، إلا أنه قرار حكيم لمحاربة النهج العنصري والقبلي والمناطقي الذي دائما ما يكون مهددا للشعور الأهم والأجمل وهو المواطنة. ولعل منطقة جازان لها خصوصيتها في هذا الموضوع لا سيما وهي من أكثر المناطق التي تنتشر فيها الصحف الإلكترونية، والمخصصة أحيانا باسم بعض المحافظات والقرى. والعجيب أن غالبية هذه الصحف والتي تقدر بالمئات، هي صحف غير مرخصة، وتمارس دوراً سلبياً في تداول الأخبار بشكل غير مهني، ما يساهم في ترسيخ صورة ذهنية غير مرضية عن المنطقة والمحافظات. وللأسف فإن هذا الانتشار كان يتم في ظل غياب كامل للمساءلة من قبل الجهات المعنية. ونأمل أن يتم تفعيل القرار ليشمل وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بتلك المسميات ذات الصبغة العنصرية. وفي مقابل ذلك الانتشار أصبح الجميع يضع أمام اسمه كلمة (إعلامي)، وربما كان ذلك من إيمان داخلي لأولئك المراسلين بأن هذه الصفة ستجعل لهم نوعا من القبول والهيبة الاجتماعية. ويأتي في ظل غياب تام لوضع مواصفات وشروط لتصنيف الإعلاميين قبل السماح لهم بممارسة الدور الإعلامي. كما يلاحظ أن بعض هذه المواقع الإعلامية لا يحترم الملكية الفكرية أحيانا بل ينسب بعض الأخبار إلى موقعها دون ذكر المصدر الذي نقلت الخبر عنه.

ومما لا شك فيه أن هناك مشكلة تجتاح الحركة الإعلامية بمنطقة جازان، تتمثل في الرغبة بالانتشار السريع، ومحاولة الظهور أمام الناس، والحصول على أكبر قدر من عدد المتابعين بغض النظر عن مقومات المعرفة، والبحث والتقصي عن المعلومة الصحيحة، وربما يعود هذا إلى ضعف الشعور بالمسؤولية المجتمعية، وعدم الاهتمام بتطوير الفكر البناء والنقد الهادف، وللأسف الكثير تكون معلومته بناء على السماع من المجالس والأصدقاء، دون تبني مبدأ البحث والتقصي عن حقيقة المعلومة. وكما هو معروف فإن كلمات مثل (يقولون) و(سمعت)، هي أدوات غير دقيقة وليست ذات كفاءة في عمليات النقد والطرح الإعلامي.

إن النقد الفكري والإصلاحي البناء يحتم التبرؤ من رؤية واحدة، أو توجه محدد أو مذهب معين أو مجاملة على حساب المبادئ ومصالح المجتمع. إن النقد البناء يتطلب مصادرة الأفكار الهدامة وعدم إشاعتها ونشرها والترويج لها، مع التركيز على الجوانب الإيجابية لا سيما في الفترة الراهنة، ولعل هناك أمل كبير عندما لاحظنا خلال الفترة الماضية تركيز بعض إعلاميي المنطقة المشهود لهم بالكفاءة على الجوانب الإيجابية والمضيئة للمنطقة. الأفكار العظيمة والانتقادات الهادفة تكون قادرة على الدخول في قلوب الناس، والتأثير في قراراتهم، ومُساهِمة في تطوير الذات وتقدّم المجتمع بعكس النقد السلبي. إن اعتزاز الإعلامي برأيه ورؤيته وأنه على صواب والآخرين مخطئون، هو أمر يجب التنبه له والتخلي عنه وذلك بتغليب المصلحة العامة، فإن الموضوع ليس صراعا شخصيا لا بد من الانتصار فيه، وإنما هو مهنية ومصداقية مع التركيز على الحوار الهادف مع المستهدفين بالنقد.