أصبت برعشة من الخوف، وأنا أقرأ أن حكومة لبنان المُوقرة قرّرت إلغاء الألقاب. لا «فخامة» بعد اليوم، ولا «دولة» ولا «معالي» ولا حتى «سعالي» (وهذه كلمة نحتها اللغويين في المملكة للإشارة إلى أولئك الذين تجاوزوا مرحلة «السعادة» ولم يصلوا، بعد، إلى مرتبة «المعالي» ومن سار على الدرب وصل). لِمَ رعشة الخوف من تقليد ديمقراطي جميل يذيب الفوارق بين عباد الله؟ أقول لكم السبب:

الألقاب قد تشغل حاملها عن إلحاق الأذى بالناس. وأضرب لكم بعض الأمثلة: الرجل الذي أباد عشرات الملايين في ألمانيا لم يكن يحمل أي لقب، كان مجرّد «فوهرر». والرجل الذي أباد، بدوره عشرات الملايين في أوروبا كان ينفر من الألقاب، كان مجرّد «رفيق». و«صاحبنا» في بغداد ليس له من لقب، أعني لقبا رسميا، سوى «السيّد الرئيس».

ثمة سبب آخر يجعلني أتخوّف من إلغاء الألقاب. في الشقيقة الحبيبة مصر كان بعض الناس، قلة قليلة، من الباشوات، وبعض الناس، قلة أكثر قليلا من الأولى، من البكوات. ثم جاءت الثورة وألغت الألقاب. ماذا حدث؟ هل انفجرت المساواة بين عباد الله الذين خلقوا متساويين كأسنان المشط؟ لا! لم يحدث شيء من هذا. ماذا حدث إذن؟ تحول 90% من الناس إلى باشوات، والبقية، من المعذبين في الأرض والمسحوقين، إلى بكوات.

وهذا ما سيحدث في لبنان بعد فترة من الزمن. سوف تسمع في بيروت من يقول لسائق التاكسي:

- تسمح يا فخامة الشوفير بإيصالي إلى المطار؟

ويرد فخامته:

- أهلين بعبدو الفرّان، تكرم عين معاليكم!

وقبل أن أترك هذا الموضوع أقول لمن لا يعرف إن كاتب هذه السطور كان في مرحلة الديناصورات، من أصحاب المعالي. كان الكثير من المراجعين البسطاء لا يعرفون الفرق بين لقب ولقب، ولا يفرقون بين اللقب الأعلى واللقب الأدنى. وكان هؤلاء يلجؤون إلى الاحتياط عند كتابة المعاريض. الكثير من الرسائل التي كانت تصلني كانت موجهة إلى «حضرة جناب سيادة سعادة المكرم السيد الأستاذ الدكتور معالي..». يا للنشوة التي كانت تنتابني! يشعر الإنسان أن له «حضورا» «طاغيا» و«جناباً» عالياً، وأنه يتمتع «بالسيادة» المطلقة علاوة على «السعادة» العارمة، وأنه، بعد ذلك كله، «أستاذ» و«دكتور» وجمع «المعالي» من أطرافها. كنت أقرأ وأضحك من الأعماق. ألم أقل لكم، قبل قليل: إن الألقاب تشغل حاملها عن إلحاق الأذى بالناس؟!

*1997