ليس بالضرورة أن تكون كل التجارب الرائعة لشخصيات مشهورة، هناك أفراد مغمورون يقدمون للحياة أعمالا إنسانية كبرى وعظيمة. قبل فترة انتشر مقطع لصديق طفولتي وصاحبي الذي بدأتُ هذه الحياة بجانبه، صديقي الشهم ناصر بن حمدان المطيري. أظهره المقطع وهو يتراسل مع زملائه في فريق إنجاد الغوثي، يبشرهم فيه بعثوره على أحد المفقودين في أحد صحارينا الموحشة.

فاجأني حقيقة هذا المقطع، لأن تباعد لقاءاتنا خلال الفترة الأخيرة بحكم مشاغل الحياة، غيبني عن الإلمام بتفاصيل أعماله اليومية. أقول فاجأني المقطع، وأنا في الحقيقة لم أستغرب منه أن يكون أحد أشرس الفرسان (كما يحب الفريق تسمية أعضائه) في محاربته لوحش الهلاك المؤلم.

في كل مرة يستمع ناصر لنداء اللجان المنظمة داخل الفريق، ينتهض الشجاع في داخله، ليركب سيارته، ويأخذ في طريقه ما يستطيع من المؤنة، والجاهز من أصدقائه، لينطلق إلى الأماكن التي يتوقعون أن يجدوا المفقود فيها.

بحثت عن فريق إنجاد، فوجدت حسابهم على تويتر بمسمى (فريق إنجاد للبحث والإنقاذ). حسابهم وأنت تتصفحه، يجعلك أحد أكثر الشخصيات امتنانا وشكرا لله على وفرة هذه الإنسانية بين شبابنا وأبنائنا. حساب يغرس في داخلك الإحساس، بأنك تنتمي إلى مجتمع يعتبر من أنبل المجتمعات وأرقّها إنسانية وبذلا وعطاء، وفي نفس الوقت يمنحك الشعور بأنك فرد في بيئة شجاعة لا تهاب الدروب الصعبة والوعرة، لإنقاذ شخص ملهوف، استغاث أهله بالناس لانتشاله وإنقاذه من الموت.

الفريق يقول: بأنه شريك أساسي ومعتمد من الدفاع المدني السعودي، وفي إحصائية له يقول، إن نصف البلاغات تأتيهم مباشرة من غرف عملياته، وإن عدد البلاغات التي استقبلوها لشهر شوال الماضي فقط حوالي 222 حالة، وبإجمالي أعداد مباشرين للإنقاذ من أعضاء الفريق ما يقارب 400 متطوع، وبمتوسط وقت أقل من ساعة لكل المهمات المبلغ عنها.

هذا باعتقادي أمر مدهش جدا، لدى كل من له معرفة بأدنى درجات التنظيم الإداري المؤسسي. أضف إلى ذلك إذا عرفت أن الفريق كله بقياداته، ولجانه التنظيمية، وفرسانه الجوالين في صحاري السعودية، من شمالها إلى جنوبها هم أشخاص متطوعون مئة بالمئة. متطوعون بجهودهم، وبأوقاتهم، وبأموالهم، وبسياراتهم، وبساعات راحاتهم بعد دواماتهم الرسمية، متطوعون للبحث عن أشخاص يعتبرون في نظر بعضنا مجرد متهورين وحمقى. هذا الأمر حقيقة يجعلني أقف في حيرة لمحاولة معرفة أسرار القيادة التي يتبنّاها قادة هذا الفريق لبث الإيجابية والاستمرارية والدافعية في نفوس المنتمين إليه.

شعار الفريق شدّني بشكل كبير، وذكرني بفلسفة التراحم كما يسميها (عبدالوهاب المسيري في بذوره وجذوره)، ولكنه تراحم على طريقة إنسانية أرقى يقول شعارهم (نسعى للمساعدة ونرجو الأجر من رب العالمين).