يتردد كثيرا أن الموظف في الدولة مهما كانت مرتبته، يقوم بواجبه، وبالتالي لا يستحق الشكر من المستفيد من الخدمة، لأنه لا شكر على واجب، وأنا شخصيا لا أتفق مع هذا الطرح، أولاً: لأنه مخالف للكتاب والسنة، وثانيا: لأنه مخالف للعقول السليمة، وثالثاً: لأنه مخالف للآداب الراقية، ورابعاً: لأنه يرسخ الغلظة والفظاظة.

فالله عز وجل يشكر من قام بالواجب المكلف به قال تعالى (وكان سعيكم مشكورا)، ولما قام نبي الله أيوب عليه السلام بواجب الصبر على البلاء أثنى عليه ربنا، فقال (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) وهل هناك شكر أحسن من قول الله (نعم العبد)؟، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، والعقول السليمة، والأخلاق السامية، تقتضيان تشجيع كل من أحسن، ودولتنا السعودية وفقها الله تشكر من قام بالواجب، كشهداء الواجب ونحوهم، فمع أنهم قاموا بالواجب إلا أن الدولة تشكرهم، وتشكر ذويهم وأبناءهم كما هو مشاهَد، فالناس ليسوا حجارة أو حديدا، بل هم مشاعر وعواطف، تريحهم الكلمة الطيبة، والدعاء الصادق، فنعوذ بالله من الغلظة والفظاظة، ثم إن عبارة (لا شكر على واجب) ليست من وحي السماء، فينبغي أن تُطوى ولا تُروى.

صحيح أن الموظف عندما يقوم بواجبه، فإن عليه ألا يتطلع إلى شكر أحد من الخلق، وعندما يحسن إلى الخلق فإنه لا ينتظر منهم الجزاء والشكور، كما قال تعالى (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)، ولكن هذا لا يعني أنهم لا يُشكَرون، ولا يُدعى لهم، ولاتُذكَر محاسنهم.

إن المسؤولين في بلادنا يقومون بجهود طيبة يشكرون عليها، وهم ليسوا سواء، والقصور أو التقصير (وبينهما فرق) واردان من بعضهم، ولكن ما من داء إلا له دواء، وليس من الدواء التهييج والإثارة، والاصطفافات والاتهامات والتكتلات ضد أي مسؤول، وإنما الطريقة الشرعية تقتضي الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وأنا شخصياً أحيانا يكون في نفسي انتقاد على مسؤول، فإذا قابلته، عرض عليّ حقائق غائبة عني، لو علمتها لما انتقدته، فالتواصل مع المسؤول مباشرة، أو الكتابة عن الملاحظات عن الوزارات الخدمية في الصحف بأدب وعدم تجنٍ، تجعل الوزارة ترد، وتوضح الأمر، إما بالشكر والوعد بإصلاح الخطأ، وإما بإيضاح معلومات تخفى على صاحب الملاحظة، أما السب والاتهام للمسؤولين فهذا منهج مخالف للشريعة، ومؤذٍ للمسؤول ولعائلته، وقد يكون سببا في شرور وأمور انتقامية قد لا تُحمَد عقباها.

وأنا في هذا المقال وبصفتي أحد منسوبي وزارة التعليم أشكر وزير التعليم السابق الدكتور أحمد العيسى، كما أشكر الوزير الحالي الدكتور حمد آل الشيخ، لكني هنا خصصت الدكتور أحمد لأنه خارج الوزارة الآن، ولأني شاهد عيان على إنجازاته الطيبة في الوزارة والتي منها: إعادة النظر في «كليات التربية»، وتحسين مدخلاتها ومخرجاتها، فبعد أن كانت مأوى لكل من لا تقبله الكليات الأخرى، وصار - مع الأسف - بعض خريجيها غير مؤهلين للتدريس في المدارس، وضع الدكتور أحمد العيسى برنامجا تطويريا لهذه الكليات، يتضمن معايير دقيقة للقبول فيها، وتخصيص البرنامج العلمي التخصصي لمدة أربعة أعوام في برنامج البكالوريوس، ثم برنامج التأهيل التربوي في مرحلة الماجستير المهني، إضافة إلى إنجازات كبيرة كمشروع التعليم الرقمي «بوابة المستقبل»، وبرنامج «كفايات»، وبرنامج «التدريب الدولي (خبرات)» استفاد منه آلاف المعلمين، الذين أطلعتهم الوزارة على بيئات تربوية عالمية في عدة دول في العالم لنقل الخبرات، كما أن برنامج «الوعي الفكري في الجامعات» استحدثه العيسى، وما يزال يقوم بأدوار تحصينية جيدة، إضافة إلى برامج وإنجازات أخرى، وكل وزير ومسؤول يكمل جهود من سبقه، والدولة وفقها الله هي الداعم لكل مسؤول، والمواطن هو موضع اهتمام القيادة.

عندما أذكر إنجازات الدكتور أحمد العيسى فإني أفعل ذلك، رغبة في أن نقول للمحسن أحسنت، ويعلم كل عاقل أن كل من يعمل لا بد أن يخطئ، ولكن من اجتهد ولم يقصّر ولم يتعمد الخطأ فإنه يدور بين الأجر والأجرين.

وأنا شخصياً لم أقابل الوزير أحمد العيسى إلا مرة واحدة، عرضت عليه في مكتبه إلحاق ابني الذي يدرس الماجستير في الهندسة في بريطانيا، وضمه للبعثة على حساب الدولة، ومع أن ذلك لم يتم، وابني ما زال يدرس على حسابي، إلا أن ذلك لا يمنعني من ذكر إنجازات الدكتور أحمد، فلستُ ممن إذا أعطي شكر، وإن مُنع سخط، بل أشكر وأعذر.