لفت انتباه المعلمين نحوه، في طفولته المبكرة، وهو بالصف الثالث الابتدائي - المدرسة العزيزية بأبها-،عندما اكتشفوا في منتصف الثمانينيات الهجرية، موهبته الفذة، من خلال تقديمه مشاهد درامية قصيرة، في قالب كوميدي، حتى وصل الأمر إلى تقليده المعلمين.

حينها، منحته إدارة المدرسة فرصة الوقوف على خشبة المسرح في الحفل الختامي السنوي، بحضور مسؤولي التعليم والإدارات الحكومية والأهالي، لتقديم دراما متنوعة، واستطاع انتزاع إعجاب الجمهور، ليبقى نجماً مسرحياً يشار إليه بالبنان، حتى حصوله على الشهادة الابتدائية.

أوائل التسعينيات الهجرية، وجدت تلك الموهبة، مكانا أرحب، بعد أن صقل مسرح المدرسة موهبته، واستفاد من المعلمين الذين لم يبخلوا عليه بالإرشادات، وكيفية الوقوف على المسرح وفن الإلقاء والحركة وتقمص الشخصيات.

كما استطاع أن يرسخ في نفوس مجتمعه المحلي، صورة ذلك الممثل المتمكن من أدواته وقدرته على إضفاء السرور من خلال الكلمة ولغة الجسد، بما يسمى (كوميديا الموقف).

يقول علماء النفس (الإنسان الذي يقدر على إضحاك وإسعاد الناس فإنه دليل على ارتفاع معدل الذكاء عنده)، ولست أبالغ حين أقول، إن صالحا ذكي ولماح ولديه القدرة على إعادة تفاصيل مشاهد أو مواقف، ولكن بطريقته الخاصة، بحيث تجد من يستمع إليه، قد جحظت عيناه من الضحك.

عرف «صالح الكرزي» في حياته بالابتسامة الصادقة، لم يلتق أحدا إلا والابتسامة تعلو محياه، والسؤال هنا، هل اتخذ حديث رسولنا عليه الصلاة والسلام «وتبسمك في وجه أخيك صدقة»، منهج حياة؟.

تربع الكرزي على مسرح نادي أبها الرياضي (الوديعة سابقا)، وأبدع في الحفلات خلال المناسبات المختلفة، حيث كانت القاعة الكبرى لمسرح النادي تغص بالحضور، ورغم تعدد فقرات كل حفل وتنوعها، إلا أن الجمهور كان ينتظر بشوق إطلالة صالح ورفاق دربه «منصور الأحمري، نيازي، مناطر، محمد النحاس رحمه الله»، وآخرين، ليعيش الحضور في ضحك متواصل مع مشاهد كوميدية راقية.

شهد النادي تلك الأيام حراكاً فنياً متميزاً، في المسرح والأدب والفن التشكيلي والموسيقى، بقيادة رئيس اللجنة الثقافية في النادي حينها أحمد عسيري، ولا يكاد يمر شهر إلا وينظم حفل سمر، إضافة إلى عروض السينما المتنوعة.

استمر هذا الزخم الثقافي المسرحي، والمهتمون آنذاك يتوقعون أن يبرز اسم الفنان صالح الكرزي على مستوى الوطن، إلا أن ضعف الإمكانات الإعلامية حال دون شهرته على نطاق اوسع.

وجاء افتتاح تلفزيون أبها عام 1398 ليشارك مع زميله منصورالأحمري في محاولات لم ترتق إلى ما كان ينشده، في حين لم يتنبه أحد في التلفزيون للاستفادة من صالح في إنتاج فني مميز، ربما لعدم وجود كاتب متخصص في الكوميديا، أضف إلى أن التلفزيون كان مشغولا بالبث المحلي، وما يستهلكه من جهود كبيرة في إعداد وتجهيز البرامج اليومية، غير متفرغ تماما للإنتاج الفني.

عند افتتاح فرع جمعية الثقافة والفنون بأبها، ساهم هذا الفنان بوقته وجهده في العديد من النشاطات المنوعة، ثم جاءت الفرصة المواتية حينما كتب الأديب الساخر أحمد عسيري نصاً مسرحياً، بعنوان (السبع دوخات)، وتم إجراء البروفات مرات عدة، حيث تجلى وأبدع فيها هذا الفنان، وللأسف الشديد، لم تر المسرحية النور، ولم يسجل التلفزيون البروفة الأخيرة، ولو صورت لكانت من الأعمال الخالدة في تاريخ المسرح السعودي، ويقال إن النص لا زال لدى فرع الجمعية حتى اليوم.

أخيراً، نعلم أن حقبة من الزمن اختلفت فيها مفاهيم بعض الناس، بعد أن تصحرت مشاعرهم، ورفضهم حتى سماع كلمة مسرح أو فن أو موسيقى، ما تسبب في تواري الكثير من مواهب (القوة الناعمة)، واكتفت بالمشاهدة من بعيد.

حين نتذكر اليوم في منطقة عسير، قامة مبدعة، قدمت الكثير، رغم قلة الإمكانات، فإن الأمل يحدونا في لفتة وفاء من وزارة الثقافة، ومن المؤسسات الثقافية والإعلامية، للتواصل مع هذا الفنان، وتكريمه بما يستحق، فهو محب لوطنه وأمته وقيادته.