هل ألمانيا صديقة أم عدوة للخليج والسعودية؟ للإجابة عن هذا السؤال بدقة، دعونا نأخذ القارئ قليلاً للتاريخ.

يعلم الجميع أن النازية كانت تدعو لتفوق الدم الآري، وأنه أعلى من بقية الأعراق البشرية، وبالمناسبة معنى كلمة إيران (أرض الآريين). العلاقة التاريخية بين إيران وألمانيا، بدأت منذ تأسيس ألمانيا نهاية القرن الثامن عشر، فقد رأى الطرفان في بعضهما البعض الحليف، أحدهما حليف أوروبي ربما وحيد، والآخر رأى حليفاً شرق أوسطيا وحيدا، في منطقة كانت تتقاسمها القوى الأوروبية المنافسة، حتى في الحرب العالمية لم تعادِ إيران ألمانيا، وفي العصر الحديث كانت العلاقات ممتازة مع الشاه، لكن الغريب أن العلاقات الألمانية الإيرانية لم تتأثر بشكل كبير بعد ثورة الخميني أواخر السبعينيات. فقد زار وزير الخارجية الألماني هانس ديتريخغانشير في الثمانينيات طهران، ليصبح أول مسؤول أوروبي يزور البلاد بعد ثورة الملالي.

بعد الثورة الخمينية التي تعتبر بكل المقاييس الأخلاقية والعرفية شاذة عن القيم الأوروبية بقيت ألمانيا مساندة للنظام المارق الإيراني، فأقوال زعماء البلدين تدل على ذلك. فوزير خارجية ألمانيا كلاوس كينكل يقول «تراثنا المشترك و100 عام من التحالف» يعني إيران. حتى رفسنجاني كتب لألمانيا يذكر لهم «جذورنا الآرية المشتركة»، وحتى الرئيس المنبوذ داخلياً وخارجياً أحمدي نجاد ركب الموجة، وكتب للمستشارة الألمانية ميركل عن إحياء التحالف الألماني -الإيراني، والبرلمان الألماني أقر بالإجماع قانوناً لتشجيع الاستثمار في إيران.

رغم حملة الاغتيالات والتفجيرات الإيرانية في أوروبا والعالم، بقي النظام الإيراني الطفل المدلل لألمانيا، والأمثلة عديدة منها عام 1992 أمر النظام الإيراني بإعدام منشقين أكراداً في مطعم ببرلين، وحينها حكم القاضي الألماني «القيادة السياسية الإيرانية أمرت بهذه الجريمة»، وكالعادة النظام الإيراني كان ينجو بمساعدة ألمانية. خلال 10 سنوات فقط إلى 2017 كان هناك أكثر من 22 حالة تجسس للنظام الإيراني في ألمانيا، طبعا الاغتيالات الإيرانية في أوروبا منتشرة في عدة دول وكذلك التجسس، وكانت ألمانيا تغض الطرف عن ذلك رغم أنه يطلق عليها زعيمة أوروبا وحامية مصالح الأوروبيين، وليست ببعيدة حادثة الدبلوماسي الإيراني التابع للاستخبارات الإيرانية «أسدي» الذي خطط لتفجير اجتماع المعارضة الإيرانية في فرنسا مؤخراً. النشاطات الإرهابية لإيران في أوروبا تُكتب فيها مؤلفات لكن الغريب أن إيران لم تلق ما تستحقه ما دامت عبارة يوشكا فيشر واضحة «أن المانيا هي درع لإيران».

بالمقابل نرى تاريخ ألمانيا مع الضفة الثانية من الخليج والسعودية خصوصا، تاريخاً أسود، صفقات دبابات الليوبارد تم تعطيلها لسنوات، وفي أكثر من فترة مع أنها مربحة ومفيدة للصناعات والاقتصاد الألماني، صفقة الغواصات تم تعطيلها، حتى صفقة قوارب حرس السواحل السعودي تم تعطيلها وتأجيل التسليم عدة مرات بأسباب واهية جدا مع أن تسليحها بسيط. دول مجاورة أعطوها بكل سهولة دبابات الليبوبارد لكن السعودية لا!. يتحججون بأمن المنطقة، وبالمقابل يعطون دول المنطقة نفسها ما يريدون عدا المملكة. قد يقول قائل، هذا سلاحهم وهم أحرار. لكن المصيبة الأكبر أن الألمان تدخلوا بصفقات الدول الأخرى أيضاً، أعاقوا عدة صفقات لفرنسا بسبب قطع صناعية ألمانية، أعاقوا صفقة كبرى لبريطانيا مع السعودية، بسبب أن بعض القطع تصنع بألمانيا، لم يكتفوا بتخريب صفقاتهم مع المملكة، بل امتد تخريبهم لبقية الصفقات، ما يعني أن الموضوع عن قصد وشخصي!. الآن ألمانيا تهدد التكامل في صناعات السلاح الأوروبي كاملة بسبب تصرفاتها، ما أغضب شركاءها الكبار مثل فرنسا وبريطانيا، وعادة في السياسة تكون الأهداف الإستراتيجية الكبرى أهم من عرقلة صفقة سلاح لدولة ما، لكن المستغرب حقاً أن ألمانيا تضع عرقلة السعودية كأهم أجندة حتى لو أدى ذلك لتخريب هدف إستراتيجي كبير مثل التكامل الدفاعي الأوروبي، وحتى لو أسهم في خسائر لبعض الشركات الكبرى الأوروبية، لكن كل شيء من أجل عيون إيران. ألمانيا بنفوذها في الاتحاد الأوروبي عرقلت الشراكة بين أوروبا ودول الخليج لسنوات، طبعا تاريخ العرقلة الألمانية لصفقات السعودية قبل حرب اليمن، وقبل قضية خاشقجي من باب العلم، لكن هي وضعت هاتين القضيتين مؤخراً شماعة!

قد يقول قائل ربما الاقتصاد هو السبب! دعونا ننظر للشراكة الاقتصادية بين ألمانيا وإيران ونقارنها مع التجارة بين الخليج وألمانيا، حجم التبادل التجاري بين ألمانيا والدول العربية يتركز مع دول الخليج العربي التي تشكل 70%، فالسعودية والإمارات تشكلان تقريباً 45% من حجم التبادل التجاري مع ألمانيا، حجم التبادل يصل إلى 40 مليارا بين الخليج وألمانيا، بينما حجم التبادل بين ألمانيا وإيران هبط إلى نصف مليار تقريبا! خصوصا في النصف الأول من العام بعد العقوبات الأميركية. أي أن الخليج أكثر ربحاً وفائدة لألمانيا بعشرات المرات مقارنة بإيران، ومع ذلك نجد أن ألمانيا تميل لإيران! إذا كان الموضوع ليس اقتصاداً، ولا مصالح ولا مبادئ ولا سلاما ولا حزبا أخضر أو أصفر، لماذا تميل ألمانيا لإيران ضد السعودية والخليج؟.

هناك نظريات عديدة لشرح ذلك، منها أن نظرية تفوق العرق الآري ما زالت معشعشة في عقول بعض السياسيين الألمان، مهما نفوها أو أخفوها، لذلك يفضلون الدم الآري على العربي، وقد كان يقال إن العرب هم من لوثوا الدم الآري عندما فتحوا فارس، والسعودية والخليج أصل الدم العربي.

نظرية ثانية ترى أن بعض الألمان يكره الساميين بجناحيهم العرب واليهود، وأنهم يريدون التخلص من الساميين بطريقة غير مباشرة من خلال دعم إيران، وإكمال مهمة النازيين بالتخلص من الساميين، فإذا حصلت إيران على النووي فسيكون أمامها عدوان اثنان، الساميون العرب وتمثلهم السعودية، والساميون اليهود وتمثلهم إسرائيل، وربما البعض يتمنى هولوكوست جديدا للساميين بشقيهم العربي واليهودي.

هناك نظرية ثالثة، تقول إن ألمانيا لا تؤمن ولا تحترم إلا القوة، وهناك أمثلة، مثل تعامل روسيا المهين مع ألمانيا ومع ذلك تخضع لهم، وإيران تهدد بالعمليات الإرهابية، وإسرائيل تستخدم التاريخ للحصول على طلباتها كما ترى، تماما مثل الغواصات التي صنعتها ألمانيا، والحكومة الألمانية نفسها مولت جزءًا كبيراً من الصفقة، وعدلت فتحات الغواصات لتناسب صواريخ إسرائيل.

حاولت المملكة عدة مرات تحسين العلاقات مع ألمانيا، لكن ألمانيا كانت ترد بالإساءات، مثل إساءات غابريل سبغمار، الذي كان يعاني من متلازمة السعودية، والحق يقال كان يحتاج علاجا من تربية أبيه قبل تعيينه في الخارجية. المملكة أيضا مدت يد الصداقة مجدداً، بتعيين رجل ذكي يتكلم الألمانية ومولود فيها ويعرف ثقافتها جيداً، وهو الأمير فيصل الفرحان آل سعود، وهو ذو أفق واسع ولماح، ونأمل له التوفيق في مهمته الصعبة. لكن الملاحظ أن الحكومة الألمانية لم ترد على هذه البوادر الحسنة من المملكة، وما زالت تتلاعب بأمن الخليج وموقفها المائع من أمن التجارة في الخليج يدعو للتعجب. أسمع البعض يقول عندما نتكلم مع الألمان في الغرف المغلقة، نحن لا نفضل إيران ولا نكره الخليج، لكن أفعالهم تدل على غير ذلك، ويبدو أن بعضهم يلعب على الحبلين، يسمع الخليجيين ما يريدون سماعه، لكن الأفعال واضحة تميل لعشق الملالي الآريين.

بعد هذا أترك للقارئ تحديد إجابة السؤال الذي في عنوان المقال؟.