- يتعرض كثير من الزوجات في لحظة غضب من الزوج وظلمه للطرد من منزل الزوجية حين وقوع الطلقة الأولى، وقد يكون هذا الطرد مفاجئا ولا يمت للإنسانية بصلة، مما يعرضها للذل والهوان أمام نفسها وأبنائها لو وجدوا!، وهذا يخالف شريعتنا الإسلامية التي أوصت بصيانة كرامة الإنسان، وأوصت بالحفاظ على حقوق النساء لقوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدّتهن وأحصوا العدّة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة وتلك حدود الله ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمراً) رقم 1 سورة الطلاق.

(ومن منطلق هذا التوجيه الإلهي العظيم نرى أهمية مطالبتنا في الحدّ من طرد النساء من منزل الزوجية خلال الطلقة الأولى إذا رغبت «البقاء والستر في سكن الزوجية ومع أطفالها»، وهذا مناسب جدا لذوات الظروف الأسرية والاجتماعية الصعبة، واللاتي لا يجدن من يستقبلهن بعد طردهن من منازلهن، وقد تضطر الواحدة منهن للجوء إلى دور الرعاية، أو السكن في مكان غير آمن لها.

أيضا تحمل توجيها نصه (ولا يَخرُجْنَ) أي: لا يجوز لهن الخروج منها، والنهي عن إخراجها، لأن المسكن يجب على الزوج للزوجة، لتكمل فيه عدّتها التي هي حق من حقوقها، لكن انطلاقا من التوجيه الرباني العظيم الذي تحمله هذه الآية (لا تدري لعل الله يُحدث بعد ذلك أمراً)، أي: شرع الله العدة، وحدد الطلاق بها لحكمة عظيمة، فمنها: أنه لعل الله يُحدث في قلب المُطلّق الرحمة والمودة، فيراجع من طلقها، ويستأنف عشرتها، فيتمكن من ذلك، أو لعله يطلقها لسبب منها فيزول ذلك السبب في مدة العدة، ليراجعها لانتفاء سبب الطلاق.

وفي سورة الطلاق أيضا تحمل الآية رقم 6 توجيها صريحا بعدم إخراج المطلقات من بيوتهن وأمر بإسكانهن وقدّر الإسكان بالمعروف، وهو البيت الذي يسكنه مثله ومثلها بحسب وجد الزوج وعسره، ولا تضاروهن عند سكناهن بالقول أو الفعل فيخرجن من بيوتهن قبل تمام العدة لقوله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن)، كذلك حماية للمطلقة الحامل التي قد تتعرض للطرد والإهانة في وقت هي بحاجة للرعاية والحماية حتى تضع حملها بسلام (وإن كن أولات حملٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)، وحماية أيضا للمرضعة التي قد تتعرض للطرد في طلقتها الأولى، ولا تتم النفقة عليها أو على طفلها، بل يتم التغافل حتى عن أجرة إرضاعها لطفلها، وهذا منصوص شرعا في الآية الكريمة (فإن أرضعن لكن فآتوهن أُجورهنّ)، ولكن للأسف الجهل بهذه التوجيهات الربانية الكريمة لحماية المطلقة الحامل والمرضع أيضا يدفعها لسلسلة من الشكاوى للمطالبة بالنفقة على طفلها والتي ترهقها نفسيا وماديا، وهي بأمس الحاجة للرعاية الطبية والنفسية والأسرية!

لذلك هناك تحذير من الله - سبحانه وتعالى- (بعدم إخراج المطلقات من بيوتهن وهي بيوت أزواجهن)، ولكنه يسميها بيوتهن لتوكيد حقهن في الإقامة بها فترة العدة لا يُخرجن منها ولا يَخرجن (إلا في حالة وقوع فاحشة ظاهرة منهن)، وحيث إن الحكمة من إبقاء المطلقة في بيت الزوج هي إتاحة الفرصة للرجعة، واستثارة عواطف المودة وذكريات الحياة المشتركة، وحيث تكون الزوجة بعيدة بحكم الطلاق قريبة من العين، فهذا يفعل في المشاعر فعله بين الاثنين، وتكون هناك فرصة للرجعة، مما نسهم بذلك في الحدّ من ازدياد الطلاق والتفكك الأُسَري وآثاره السيئة على المجتمع، فكيف بمن يتعرض لزوجته بالعنف الشديد، ويطردها شر طردة من منزل الزوجية، ويهددها إذا لجأت إلى الجهات الرسمية بحرمانها من أطفالها وهي ما زالت على ذمته؟!

لذلك ووفقا لرؤية مملكتنا 2030 كدولة لها مكانتها الإسلامية العظيمة والتي تبدأ من المجتمع وإليه تنتهي.. حيث يمثّل المحور الأول أساسا لتحقيق هذه الرؤية، والذي ينبثق من إيماننا بأهمية بناء مجتمع حيوي يعيش أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال، وفي بيئة إيجابية وجاذبة، تتوافر فيها مقومات جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، ويسندهم بنيان أسري متين، فإنه لا بد أن تحقق وزارة العدل من ضمن إنجازاتها العدلية إنجازا عدليا بشأن أساس الأسرة ومربية الأجيال (الأم)، وذلك حماية لها ولكرامتها قبل وبعد تعرضها للطلاق، والحد من الاستهانة بحقوق الزوجات وطردهن بسهولة من منازلهن، وإصدار العقوبات الشديدة والغرامات المالية على كل من تسوّل له نفسه عدم اتباع التوجيهات الربانية، والقرارات النظامية في احترام الحقوق، وصيانة كرامة الإنسان التي كفلها له ديننا الإسلامي حتى يقول القضاء كلمته (فاستوصوا بالنساء خيرا).