نشرت جريدة «الوطن» بتاريخ 22 أغسطس 2019، خبرا حول صدور حكم قضائي من محكمة عنيزة في حيثيات وفاة 6 أشخاص في حادث سير. وكان الحكم بالسجن تسع سنوات والجلد ألف جلدة وإلزام المتسبب بالحادث بدفع دية شرعية مقدرة بـ300 ألف ريال لورثة كل واحدٍ من المتوفين الثلاثة من السيارة الثانية. والحكم القضائي يعتبر حكما استثنائيا، لا سيما ومعظم حوادث الموت كانت وما زالت تنتهي بالتنازل، وباستخدام التأثير القبلي والعادات والتقاليد.

وعندما ننظر إلى السنن الإلهية في فرض الحدود والقصاص، نجدها من رحمة الله -سبحانه وتعالى- لاستمرار الحياة ودفع الضرر والحفاظ على الإنسان، ومهما كانت المبررات لما نفعله من وساطة وتدخل لإيقاف تنفيذ بعض الأنظمة والقوانين من باب الرحمة، فلن نكون أكثر رحمة وشفقة من الخالق -سبحانه وتعالى- بعباده. ولعل هذا الحكم القضائي يذكرنا بمأساة الطفل الذي تم استدراجه من مدرسته وذبحه بطريقة وحشية لا رحمة فيها، فالقاتل كان مسجونا على ذمة قضية قتل وتم التنازل عنه، رغم ما تم تداوله من معاناته لأمراض نفسية خطرة، إلا أنه خرج من السجن ليتوجه إلى المدرسة ويستدرج الطفل، ويذبحه من الوريد إلى الوريد. وهنا لا نستطيع تجاهل أن الأمور ربما كانت ستكون أفضل لو تم إيقاف القاتل بمستشفى الأمراض النفسية، حتى التأكد من كونه لا يشكل خطرا على المجتمع وأفراده. كذلك نتذكر قضية ذلك المواطن الذي خرج برفقة أطفاله الستة وأمهم في نزهة، ليتسبب سائق شاحنة متهور وطريق غير معبدة، في موت الأطفال الستة وأمهم في لحظة عين. وما زالت صورة الأب في المسجد ويده على خده، يبكي وينظر إلى تلك الجثامين السبعة المغطاة بالبياض، ساكنة في عقول من عاشوا تلك المأساة.

المجتمعات تحتاج دائما إلى من يعدل لها مساراتها، ويتحسس مآلات موروثاتها، ويمد لها يد العون، حتى تضبط إيقاع مستقبلها، ليكون أكثر أمنا وأمانا. وتتم ملاحظة هذا التغيير على جميع الأصعدة بعد ضخ مبادرات التحول في جميع المؤسسات والأنظمة، ليكون النظام والقانون هو من يحكم الأمور ويصون العلاقات ويحفظ الحقوق. التغيير الذي نشهده حاليا يستطيع أن ينبه الناس إلى كثير من المخاطر والتحديات القادمة، كما يستطيع تبصيرهم بالفرص والإمكانات المستقبلية. العادات والتقاليد ليست جميعها سيئة، ولكن علينا أن نبقي منها ما لا يتعارض مع الحقوق والواجبات، مع الحرص على الالتزام بالمنهج الرباني الذي جعل القصاص حياة للأمم، وألا نغفل الاهتمام بالتعليم والتوجيه الذي يكفل العدالة الاجتماعية والسلامة للجميع. كثير من المجتمعات تجد نفسها وقد غرقت في الرتابة والجمود على الموروث وتقليد الآخرين، فتصبح مستكينة أمام التحديات ومستسلمة أمام المشكلات والأزمات والكوارث، وهنا يأتي دور النقد الاجتماعي البناء والانفتاح على تجارب الآخرين، وضخ مبادرات التحول والرؤى والخطط لإحياء روح المجتمع، ليصبح أكثر نجاحا ونبوغا. إن تفعيل الأنظمة والقوانين، وضخّ الجديد منها، سيكونان روحا وأملا بغد مشرق واعد.