في مقال نشرته الكاتبة شين سنو في دورية (هارفرد بزنس ريفيو) تحدثت عن دراسة صدرت في 2016 قام بها علماء متخصصون في علم النفس من جامعة بيبردين، الدراسة كانت تبحث في مفهوم يسمى (التواضع الفكري). وهي المنطقة الفكرية التي تقع بين منطقة التشبث بالرأي رغم ثبوت عدم صحته، ومنطقة التقلبات وتبني الأفكار البديلة بسرعة كبيرة. قالوا إن التواضع الفكري هو ذلك المكان الوسط بين هذين التطرفين، بحيث يوجد لدى الإنسان الاستعداد لتغيير آرائه إذا ثبت له العكس. وأوضح المقال، أن هذا المفهوم يرتكز على أربعة مرتكزات أساسية: أولا: احترام وجهات نظر الآخرين. ثانيا: عدم الثقة المفرطة في الأفكار الخاصة. ثالثا: فصل الأنا عن الأفكار الشخصية. رابعا: استعداد الشخص لإعادة النظر في وجهات نظره.

هذا المفهوم يسحبنا للحديث عن اتجاه كبير من اتجاهات الإدارة في العصر الحديث. فقد تحدث عدد من علماء الإدارة عن أسلوب إداري، يسمى بأسلوب (الإدارة بالمعرفة) حيث يراها الدكتور عامر الكبيسي أنها (الجهود المبذولة لتحصيل المعرفة واكتسابها، وتوزيعها وإيصالها للمستفيدين عبر الوسائل المختلفة، وتفسيرها وتوظيفها واستثمارها لحل المشكلات الإدارية الناتجة عن نقص كفاءة المنظمات).

وقد عرفها بعضهم بتعريفات قريبة من هذا الأمر، حيث يشيرون إلى أنها جهود واعية في صناعة آلية لجمع وتصنيف وتنظيم وتخزين كل أنواع المعرفة المتعلقة بنشاط المنظمة، ومن ثم جعلها جاهزة للاستخدام والاستفادة منها من قبل كل أعضاء المنظمة.

وأياً ما تكون التعريفات لإدارة المعرفة، فإننا نجزم اليوم بأننا في حاجة كبيرة جدا لاستثمار هذا المفهوم في ظل رؤية المملكة 2030. بحيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعمل منظماتنا الحكومية اليوم بمنأى عن المعرفة بشتى صورها المختلفة إدارية، مالية، قانونية، تنظيمية، تكنولوجية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية... إلخ.

أهمية إدارة المعرفة تنبع من كونها تمكّن القيادات في الجهات من خفض التكاليف مع الزيادة في الإيرادات المتنوعة. كما أنها تستطيع أن تجعل المنظمات قادرة على الاستثمار الأمثل لرأس المال الفكري، وبالتالي فإن هذا سوف يجعل لها مرونة في مواكبة التطورات والتغييرات الداخلية والخارجية. أضف إلى ذلك أن العمل بهذا المفهوم يمنحنا القدرة على دعم الإبداع والابتكار لرؤوس الأموال البشرية لدينا.

هنا عزيزي القارئ قد تسأل سؤالا منطقيا، ما الرابط بين الدراسة التي جاءت في أول المقال، مع هذا المفهوم الإداري؟ وللإجابة عنه، فإنني أقول إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعمل اليوم بدون إدارات متخصصة في إدارة المعرفة، والتي من رأيي أنها يجب أن تكون مرتبطة ارتباطا مباشرا برئيس الجهة.

والأمر الثاني، لا يمكن أن ننشئ في جهاتنا الحكومية إدارات معرفة نشطة، إذا لم يكن لدى قيادتنا الإدارية تواضع فكري وتقبّل للاستماع لوجهات النظر المختلفة التي تجلبها لنا المعرفة الحقيقية.