في السجون والمعتقلات يقوم السجين أو النزيل بالامتناع عن الأكل، ويقال عنه (مضرب عن الطعام) حتى تستمع إدارة السجن أو المعتقل لطلباته.

هذه (الإضرابات) تعد من أكثر أوامر العصيان في السجون، ورغم أنها تدل على قلة الحيلة، إلا أن لها تأثيرا قد يصل إلى عزل المسؤولين في هذه السجون، لذا تجد أن السجانين يتنبهون لعدد مرات أكل السجين وغيرها من التفاصيل المتعلقة بها لتسجيل أي ملاحظات، ويتم رفع تقارير دورية بها، وقد يكون السبب ليس خوفا على جوع السجين بقدر ما هو خوف على كرسي المسؤول في هذه المعتقلات.

ولكن هل هناك أحد نهدده في حياتنا العامة بأننا سنضرب عن الطعام إن لم يمتثل لطلباتنا؟ ويبدأ بالمداولات والاستماع لآرائنا ومحاولة إقناعنا، يجوع في هذه المرحلة أكثر منا، ويشعر بالرغبة في تحقيق طلباتنا أكثر من رغبتنا، حتى لو منعته قلة حيلته عن تلبيتها.

الغريب أننا نعلم جيدا بأنه سيجوع للأكل، وسيجوع حتى للراحة والطمأنينة التي ستغادر عينه بمجرد أننا بدأنا ذلك الإضراب، ولن ينسيه جوعه أننا سنجوع لو (نشف دماغنا) على مطالبنا.

والأغرب من ذلك أننا أدركنا كل هذه المشاعر تجاههم، وأنهم ضعاف أمامها، وبعضنا لم يتخط الرابعة من عمره بعد، فبدأنا بالابتزاز والتهديد والوعيد، بأن رغباتنا ومطالبنا لها الأولوية في كل شيء حتى في الميزانية الشهرية أو السنوية من هؤلاء الذين نقوم بابتزازهم، ونستمر في الضغط عليهم حتى لو وصلنا سن المراهقة، فرغم أن مطالبنا أصبحت أكثر خطورة علينا، إلا أننا تعودنا على تجويعهم في كل طلب لم يقوموا (بنحت الصخر) لجلبه.

ببساطة إنهم أبوانا أو من قاموا على رعايتنا، خصوصا إن كانت أمي (فيا فرحة قلبي عليها)، لأنها من أكثر المخلوقات على وجه الأرض التي ستجوع وتذبل سريعا، ولن تصمد طويلا أمام رفض رغباتي و(مزاجاتي)، وإلا فحلها بسيط (سأمتنع عن الأكل ليجوع غيري).

نظرة للسماء: من عمل لك شيئا جميلا فسأله لماذا تقوم بذلك لي؟ إن تردد في الإجابة لأنه لا يعرفها، فهذا الذي يحبك حبا لا ينتظر منه عائدا، ولا أعتقد في هذا الكون شخصا كذلك إلا أمك أو من جعله الله لك أمًّا حتى وإن كان رجلا.