في أعماق النفس البشرية تتداخل المشاعر الإنسانية بعمق. والمتأمل فيها بهدوء يدرك عظمة الخلق الإلهي وسر الروح العجيب الذي لا يعرف عنه الإنسان، رغم معارفه وحقوله المعرفية وتقنياته الحديثة ومراكز أبحاثه المتطورة، إلا النزر القليل من أمارات النفس وإشاراتها، ومن هنا نفهم معنى قوله سبحانه { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}. ما الشيء الذي يحرك بداخلنا، وفي أعماق قلوبنا، مشاعر حب جياشة كالذي يدفعنا للميول لشخص لأول وهلة؟ ما سر كاريزما الأشخاص، وحضورها القوي في نفوس الآخرين دون معرفة سابقة. ما الذي يدفع الرجل لمغازلة امرأة، وما الذي يدفع المرأة لملاطفة رجل؟ ما سر الجاذبية بين الأرواح المختلفة، وما سر التنافر بين المتناكرة؟ ما الدافع لكل المشاعر المتدفقة بهذا الزخم الكبير بين الطفل وأمه، والوالد وولده، والزوج وزوجه، والحبيب وحبيبته؟. كيف تنمو فينا تلك المشاعر، وتنمو شيئا فشيئا وتكبر ككرة مضرب ساخنة؟ وما الذي يجعلها تتحول إلى كرة ثلج باردة، تتدحرج وتصغر، ثم تطفو على سطح ثلجي بارد، أو تذوب في ضفة ماء؟ ثم كيف تتحول تلك المشاعر الكبيرة نفسها من الحب عبر سنين طوال، إلى الضد وإلى مشاعر حزن وكآبة وتنقلب إلى بغض وكراهية شديدة؟. في عالم اليوم المتخم ببذور الشر ودماء الجرح والألم والطائفية والإقصاء، وأجواء الاحتراب والتغول العالمي الغربي خصوصا، وهضم الحقوق واغتصاب الأرض وانتهاك العرض، هل يا ترى بقي شيء من أحلام الحب؟ هل بقي شيء من غزل المحبين على الضفة الأخرى من العالم؟ وهل توجد هناك مدينة فاضلة، يعيش فيها الناس بلطف وسلام في ظل سلامة الصدر ونقاء الروح وتكافل المجتمعات، والابتسامة الصادقة وحسن الظن؟ وهل بقي شيء من واقع المساواة والعدل والحرية، وبذل الحقوق بلا نقص ولا منة.. وسؤال الساعة الذي يفرض نفسه على الروح في واقعنا المعاصر الحالم بالسلام والحب، هل بقي شيء من الحب أم شيء من الكراهية ؟؟!