بلاد (الكَرج) اسم كان يطلقه العرب والمسلمون في العصور السابقة على الأراضي الواقعة في جمهورية (جورجيا) الحالية، وعاصمتها (تبليسي) كان اسمها قديما (تفليس)، وهي إحدى الجمهوريات الاتحادية السوفيتية سابقا، إلى أن أعلنت التحرر عام 1991، لتصبح دولة ذات سيادة مستقلة.

جورجيا التي تقع عند ملتقى أوروبا الشرقية مع غرب آسيا، تبلغ مساحتها 69.700 كلم2، وتعداد سكانها حوالي 4 ملايين نسمة، يمكن العودة بتاريخها إلى (مملكة كولخيس)، ومملكة (أيبيريا)، وتعد من أوائل الدول التي اعتنقت المسيحية في القرن الرابع، وقد بلغت ذروة مجدها السياسي والاقتصادي خلال حكم الملك ديفيد، والملكة تامار في القرنين الحادي والثاني عشر.

المهتم بتاريخ جورجيا يلحظ أن البلاد مرت بأزمات كثيرة اقتصادية، إضافة إلى جملة من الاضطرابات الداخلية، وبدأت بوادر التحسن تظهر بعد ما عرف بـ(ثورة الزهور)، التي حدثت قبل 16 سنة، والتي أطيح فيها في ذلك الوقت برئيس البلاد الملقب بالثعلب الأبيض (إدوارد شيفرنادزه)، والذي كان يعمل مع (ميخائيل جورباتشوف)، رئيس ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، وزيرا لخارجية الاتحاد، وبالمناسبة جورجيا أخرجت للعالم قبل شيفرنادزه ذلك الرجل الشهير (جوزيف ستالين)، وشعبيته فيها تفوق شعبيته في روسيا، حتى إنهم قبل سنوات أطلقوا حملة لإحياء ذكره عنوانها «التاريخ لا يمكن أن يُمحى بجرة قلم».

من أكثر ما لفت نظري في جورجيا وجود جاليات يهودية، وحارات بأسماء فلسطينية، ومطاعم عليها نجمات سداسية، وأراحني ومن معي جدا أن هذه الأقلية اليهودية التي تعيش على أرض جورجيا ترفض كل محاولات التهجير إلى خارج جورجيا، قائلين: إنهم يعيشون في أوساط المسيحيين والمسلمين أجواء رائعة بعكس الوضع في البلاد التي يريد غيرهم تهجيرهم إليها، بل ويرفضون التواصل مع أي من الأحزاب والمؤسسات المختلفة.

التوقف في جمهورية جورجيا -وهو لا يحتاج إلى مدة طويلة- يمكنه أن يضيف للمتوقف التعرف على ثقافة مميزة عاشتها تلك البلاد، لها أسسها في حضارة مملكتي (كولخيس)، و(أيبيريا)، ومن أبرز أعلامها الجورجي الشهير (شوتا روستافيلي)، أشهر شعراء جورجيا على الإطلاق، وقصيدته «الفارس في إهاب النمر» واحدة من أهم وأبرز القصائد الشعرية الكلاسيكية، وبمثابة كنز قومي للجورجيين، ويحفظونها عن ظهر قلب، حتى إن من العادات والتقاليد أن تُهدى في المناسبات المهمة نسخة منها، باعتبارها ثروة قومية لما تحمله من قيم ومبادئ إنسانية يجب أن تتوارثها الأجيال، كالثقة بانتصار الخير على الشر، وأن الحب والتفاهم هما طاقة للحياة، وأن الصداقة بين الشعوب هي مبدأ السلام، والمطلع على نسختها العربية ينكشف له أسلوب التعبير الأدبي في حياة أدباء القرون الوسطى، وطريقة الرباعيات، والمفاهيم الرائعة التي غابت عن كثير من المجتمعات الغارقة في الظلام والجهل، وإن بدت أنها متطورة في ظاهرها.