الثروة هي كل ما تملك، لذلك هي لا تقتصر على الجانب المادي، فالفكر ثروة. وفي أدبيات الاقتصاد الحديث أصبح المنظِّم أو رائد الأعمال عنصراً رابعاً من عناصر الإنتاج، باعتبار أن عناصر الإنتاج التقليدية الثلاثة: الموارد المتاحة ورأس المال والعمل، لا يمكن أن تنصهر في بوتقة الإنتاج بغياب هذا العنصر الرابع الفاعل، وهو المُنظِّم أو رائد الأعمال. هذا العنصر بدأ يتصدر دور عناصر الإنتاج بعد أن تغيرت تقنيات الإنتاج وبرز دور الفكر في العملية الإنتاجية، لذلك فإن الفكر الآن هو مكوِّن فاعل للثروة على مستوى الفرد وعلى مستوى الاقتصاد الكلي.

ولعلَّ شراء مجموعة شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لوسيلة التواصل الاجتماعي عبر الهاتف الجوال «واتساب» بمبلغ 19 مليار دولار أميركي يعكس دور الفكر في الحياة الجديدة التي نعيشها، حيث إن فكرة «واتساب» لا يتجاوز عمرها خمس سنوات، لكنها حققت عوائد مالية قياسية قد يصعب تحقيقها في عمل إنتاجي تقليدي. وهذه الفكرة هي عمل ذهني قام على استثمار نعمة العقل التي وهبها الله عزَّ وجل للبشر، وفضَّلهم بها على سائر مخلوقاته، وأمرهم بأن يتفكروا في خلقه، أي أن يستثمروا هذه النعمة.

عندما وضع عرَّاب الاقتصاد «آدم سميث» كتابه الشهير «ثروة الأمم» شدَّد على التمازج بين عناصر الإنتاج التقليدية الثلاثة التي ارتكزت عليها أدبيات علم الاقتصاد، وتطرق لنظرية الميزة النسبية، وهي التي تعطي مرونة أكثر في تطوير الإنتاج بما يتلاءم مع وفرة عناصر الإنتاج وتباينها بين بلد وآخر.

لكني أكاد أشك في أن أدبيات علم الاقتصاد الحديث التي لم تكتمل فصولها بعد ستأخذ بتلك النظرة التقليدية التي بُنيت عليها نظرية الميزة النسبية بعد أن كسرَ الفكر ممثلاً في التقنيات الحديثة حواجز عناصر الإنتاج التقليدية، وفرض تغييراً جذرياً في العملية الإنتاجية حتى كوَّن ما يعرف الآن بالاقتصاد الجديد.

الاقتصاد الجديد لا يعني بالضرورة إلغاء النظريات الاقتصادية التقليدية التي تمثل عصب الفكر الاقتصادي، لكنه ينقل هذا العلم إلى آفاق أرحب، ويتيح للفكر أن يتفتق عن حلول جديدة لقضايا لم تكن تعانيها الاقتصادات الأولى، في تعامل موضوعي مع متغيرات الحياة التي يسيطر عليها الفكر الإنساني.

هذا الفكر يُعد مكوِّناً أساسياً من مكوِّنات ثروة الفرد وثروة الأمم. حريٌّ بنا، نحن أمة اقرأ، أن ندرك هذا التغيٌر ونكون جزءاً منه بالقول والعمل.