قلما تمر بداية أي عام دراسي دون أن تكون وزارة التعليم محور النقاش والتفاعل والتساؤل في المجتمع، لاعتبارات كثيرة ولأخبار مختلفة، ولكن أن يتصدر خبر وفاة طفل خنقاً في الصف السادس الابتدائي على يد زميله في المدرسة في ساعات الدراسة الرسمية وبين بقية الطلاب، فهذا الأمر يتجاوز أن يكون خبرًا عابراً، أو أن يناقش بالطرق المعتادة، أو أن يتم التفاعل معه بالطرق الشعبوية التي سيكون مصيرها النسيان مع ذبول العاطفة.

الإيمان بأن ما حدث قضاء نافذ من أقدار الله لا يخلي المسؤولية من تناول هذا الأمر بجدية، ولا ينبغي تهوينه حتى يصبح التفاعل مع مثل هذه القضايا التربوية ساذجا وسطحيا. كل بداية عام تحرص وزارة التعليم أن تضع خططها التعليمية بعناية تتناسب مع المؤشرات المعتمدة في نهاية كل إجراء، ولا يختلف أحد على أن الوزارة برمتها وبمنسوبيها تعمل لصالح الطالب بكل مراحله، وتسعى لإكسابه المهارات والمعارف والعلوم التي تنفعه ومجتمعه ووطنه مستقبلا، وأي هدف خارج هذه المصلحة لا جدوى منه ولا طائل. ولا تستطيع أن تحقق الوزارة أهدافها في ظل وجود مشكلات سلوكية وتربوية بين الطلاب، خاصة إن كانت لا توليها الاهتمام ذاته الذي توليه لأي إستراتيجيات تعليمية أخرى. ولكن هل هذا ما يتحقق بالفعل في المؤشرات النهائية التي نراها في الواقع، وأعني فيه واقع مدارسنا وشوارعنا ومنازلنا؟ الطالب/‏ الطالبة: هذا المخرج من العملية التعليمية هل تلخصت في سلوكه وتعليمه الأهداف الكبرى للوزارة وانعكست على تصرفاته وآدابه وتفكيره وكلامه؟

الفجوة بين واقع المدارس وبين الخطط التي تحرص الوزارة على تحقيقها خلال العام الدراسي تحتاج عدة وقفات وحلولا فورية؛ أهمها مراعاة المعدل المناسب من الطلاب لكل معلم في الفصل الدراسي الواحد، وبالتالي عدد الطلاب في المدرسة

وما يتبع لهم من منسوبين تربويين فيها. فحين يتعامل المعلم مع قرابة 40 طالبا في الفصل الواحد - بينما المتوسط العالمي لكل معلم أن يكون 25 طالبا- ستفقد العملية التربوية آليتها المفترضة وسيهدر الوقت بين محاولة السيطرة على النظام في المكان ورفع قدرة الاستيعاب بين الطلاب، ومحاولة تنفيذ المعلم المطلوب من المؤشرات المادية كإنهاء المنهج وتأدية الاختبارات ومتابعة الواجبات والملفات والتقارير الورقية، دون عناية بحاجات الأطفال والمراهقين النفسية والتربوية أو تمكينهم من مهارات البحث والتقصي والتفاعل، التي لن يسهل تطبيقها في الفصول الدراسية المكتظة والمسند كثير منها لمعلم واحد.

ازدحام المدارس بأعداد كبيرة من الطلاب يتطلب أن يرافقه تناسب في عدد الكادر الوظيفي داخلها، ولا أعني فقط المعلم الذي صار مشتتا ومرهقا بين واجبات التعليم وأعباء الأعمال الأخرى المسندة إليه. على وزارة التعليم أن تعتمد وجود خدمات أمنية داخل المدارس، منها ما يكون تابعأ للمؤسسات الأمنية الحكومية، يوجد بشكل رسمي وباتفاق بين الجهات المعنية بمكاتب مركزية عند مداخل المدارس، تعنى بضبط الحركة ومراقبة التحركات خارج أسوار المدرسة، وأخرى لشركات أمنية تجارية بموظفين تتعاقد معها الوزارة تكون مهمتهم ضبط الأمن داخل المدرسة وفي أوقات الاستراحة، وتكون أعدادهم تتناسب مع أعداد طلاب المدرسة، ويتم اختيارهم بعناية تتفق ووجودهم داخل أسوارها، فضلا عن تعيين مساعد للمعلم داخل كل الفصل لتسيير الأهداف التربوية والتعليمية المتعلقة بالطالب داخل الفصل وللمنهج الدراسي.

كل هذه الإجراءات التنظيمية لسير العملية التعليمية داخل المدرسة لن تُغني عن أن تركز وزارة التعليم جهدها لعلاج الخلل السلوكي في المدارس بين الطلاب، خاصة ظاهرة التنمر الجسدي والنفسي، والعمل على استحداث برامج وأنشطة تساعد الطلاب على تجاوز هذه المشكلات بتفهمها ومناقشتها معهم، واستحداث أساليب قد يطول مداها لتوجيه السلوك العدائي المتأثر بعوامل مختلفة داخل وخارج المدرسة وبمسارات تعليمية وتربوية حديثة ومختلفة.

أن يموت طفل على يد طفل آخر في صرح تعليمي أمر جدير بأن تعلن معه حالة الطوارئ في وزارة التعليم وما يتبعها ويرتبط بها من المؤسسات كافة، وأن يعاد النظر في التنظيمات والسياسات التعليمية والتربوية التي ساهمت في مثل هذا الخطأ الفادح. وأن تعطى الأولوية في الخطط الآنية على الاحتياجات الحقيقية للميدان التعليمي بما يضمن حصول الطالب على أفضل النتائج التعليمية، وأن تعمل الوزارة ضمن أعلى اقتصاديات المعرفة العالمية.

الطالب والطالبة هما الثروة البشرية التي تقوم عليها الدول، والتعليم لن يكون في مساره الصحيح والمرجو منه إن لم يكن هدفه الأول أن يكون كل طالب في كل مدينة وقرية محققا لمعايير التعليم والمعرفة ومهاراتها الأساسية، التي تبدأ بالتعامل السوي والإنساني مع الآخرين وامتلاك مفاتيح التعلم الذاتي ومهارات البحث والاستقصاء والنقد، ولن تكون هناك قيمة لخططه العامة وإستراتيجيته المعلنة ومشاركاته في المنافسات الدولية بعدد محدد من عينات مختارة من الطلاب، ولا لكل تلك الكوادر البشرية التي تعمل باستمرار ولكنها تحلق بعيدا عن سرب المأمول والمتوقع.

على وزارة التعليم أن تعتمد وجود خدمات أمنية داخل المدارس، تعنى بضبط الحركة ومراقبة التحركات خارج أسوار المدرسة، وأخرى لشركات أمنية تجارية مهمتها ضبط الأمن داخل المدرسة