المرأة في القرن الواحد والعشرين تحتاج إلى مساواة حقيقية باعتبارها إنسانا، فحتى هذه اللحظة ما زالت الإشكالات الاجتماعية وليست الحكومية هي العائق، رغم أن المطعم الذي زرته أنا وزوجتي في الصباح للإفطار -في إحدى أكثر المدن انفتاحا عندنا- اعتذر عن تقديم الفطور لنا على إحدى طاولات المطعم (رغم أن زوجتي احتلت أحد المقاعد فيه) بحجة رمى فيها السبب على البلدية وليس على ثقافة المجتمع، المجتمع الذي لم أجد منهم أي ممانعة أو استنكار لرجل وزوجته (شارفا على الخمسين من العمر) يريدان الإفطار في مطعم شعبي للفول والمعصوب.

طبعا منع المرأة من دخول المطاعم بحجة الفرز حسب النوع، يعيدنا لإشكالات أميركا قبل نصف قرن مع (العبيد والكلاب)، لولا إحسان الظن الذي يفرضه توفير مطاعم بقسم (للعائلات) تتحاشر فيه كل عائلة في غرفة أصغر من غرف المنزل الذي خرجوا منه، بشكل يثير تساؤل العقلاء وشفقتهم: (لماذا خرجوا من المنزل الواسع ما داموا يبحثون عن جدران ضيقة تحيط بهم ليأكلوا فيها)، بينما مطاعم الأسواق الكبرى (المولات) مفتوحة على بعضها ولا تحتاج قسم عوائل، ولكنها الثقافة التي اختنقت بنفسها لفترة صحوية عاشها البلد لغير رجعة.

(هوية المرأة) تساوت مع (هوية الرجل) أمام القانون تقريبا، وبقي مشوار المساواة الاجتماعية دون استغلال مفهوم العدالة مع النوع، فمن يريد إكرام المرأة بصفته (ذكرا مع أنثى) لا بصفته (إنسانا مع إنسان) فهو ضمنيا يهينها، كرامة المرأة واقع تعيشه لا منحة يعطيها الرجل، كرامة المرأة استحقاق طبيعي تحميه الدولة بقوة النظام، وليس منحة ذكورية يسجل بها الرجل مكسبا اجتماعيا في رصيده الإنساني المزيف غير الحقيقي، فكل ذكر لا يساعد في صناعة واقع كريم لزوجته سيغص بالمرارة لواقع رديء تعيشه ابنته، وشرف العائلات العريقة يقاس بشرف نسائهم، وشرف النساء يقاس بالعلم والمعرفة غير المشروطة، فمن يشترط على ابنته أن تصبح طبيبة عاجزة أن تقود سيارتها أو عاجزة عن أبجديات حجز رحلتها بالطائرة والإقامة لحضور ندوة طبية، فهو يريد طبيبة على مستوى المهنة، لكنها تبقى معاقة على مستوى الحياة، وتلك من الآلام الخفية التي يعيشها كثير من النساء في مجالات مختلفة، فيحققن (النجاح المشروط)، والنجاح المشروط هو مهنة راقية وحياة معاقة، لتراها عاجزة حتى عن مواجهة أدنى مشكلة خارج دائرة عملها الضيقة، فهي في حدود دورها ضمن (مجموعة الحريم) ونطاق عملها تعتبر إنسانة طبيعية، لكنها إذا خرجت إلى الفضاء الإنساني المشترك، تجدها تحمل كامل (أعراض مرض التوحد)، وأعراض مرض التوحد ليست دينا، وليست من الدين في شيء، بل إعاقة حقيقية بحاجة لعلاج، وما أكثر هذا النموذج النسائي في المجتمعات المنعزلة قسريا. ولو أتيحت الحرية الكافية لعلماء الاجتماع والنفس (الحقيقيين) لخرجوا بنتائج مذهلة ومخيفة لهذا الواقع.

المرأة نوع والرجل نوع، ومن ينظر لهذين النوعين بعين الثدييات فلن يرى سوى ذكر وأنثى، وعليه بناء حظائر عزل، وحظائر تكاثر، وحظائر للرعي المشترك تحت إشراف ومراقبة الراعي، بدلا عن بناء المدارس والمعاهد والجامعات ومؤسسات الدولة، مرورا بالمصانع والشركات. ومن ينظر لهذين النوعين كإنسان فيه ما في الإنسانية من رقي وتخلف وتقدم وتأخر فسيؤمن بطريق النهضة مهما كانت العثرات والأشواك، ولن يرتاب سوى الذكوريين المتعطشين لزمن الجواري والحريم، عاشوا طيلة أعمارهم ذكورا يتنفجون بالفحولة، لكنهم طيلة تاريخهم فشلوا في العثور عن المعنى العميق في مناقب (الرجولة) كصفات حميدة تؤخذ من (الرجل) وليس الذكر. ومناقب (المروءة) كصفات حميدة تؤخذ من (المرأة) وليس الأنثى، ولا يكتمل الإنسان أخلاقيا إلا بهاتين معا ولهذا كانت (غالية البقمية)، ومثلها من الماجدات كثير كثير في تاريخ العرب، لكن كيف للماجدة أن تعي كرامتها وأقصى فهمها أن تحذر أبيها فيما لو خرجت عليه مرتدية البنطلون، كما كان يفتي بذلك بعض شيوخ الصحوة، الذين أذكوا في قلوب الناس فحولة الذكر، وقتلوا قيم الرجولة، أذكوا الريبة والخنا وقتلوا المروءة والشهامة والنخوة العربية التي عرفها عنترة العبسي وهو في جاهليته وعبوديته، كان أكثر رجولة ومروءة منهم إذ يقول: (أغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها)، أما هم فيدسوا أنوفهم ويقولون: (وش عندها تطلع من بيتها لوحدها)، ثم يمسحون على لحاهم بحوقلة ودعاء يضمرون فيه (قذف المحصنات)، ولو أمنوا العقوبة لأساؤوا الأدب أكثر.

من قلوبنا نقول: (شكرا خادم الحرمين، شكرا ولي العهد) بدونكما كنا على شفير داعش، والآن نحن باتجاه 2030 سائرون نحو (نيوم) و(القدية)، وغيرها الكثير الكثير، استثمار وصناعة وسياحة وإنتاج وتنمية إنسانية، بسواعد أبنائنا وبناتنا نرفع رايتنا الخضراء فخراً واعتزازاً، بشراكتنا الحقيقية في النهضة الحضارية لنا، وللإنسانية معنا وبنا. ألسنا من دول العشرين ولا فخر؟.