لا تكاد تُطرح كلمة الموسيقى في مجتمعنا إلا وتلاحظ الانفعال الشديد حولها والعياذ بالله، وأنها مظهر من مظاهر اللهو والضلال والبعد عن الإيمان واتباع خطوات الشيطان، وأن الابتعاد عن طريقها وعالمها وفنونها وأدواتها من قمة الالتزام، وقد تجاهل منتقدوها أن الاستماع إليها حاجة لإحداث التأثير المطلوب وفق نوع الاستخدام في المجالات الترويحية والدينية والحربية والتربوية والعلاجية والعمل والإنتاج، فالموسيقى تميزت بكونها فناً مُمتعاً للآذان والهدوء النفسي والاسترخاء، ولغة عالمية تُخاطب جميع الأجناس، وعلماً ارتبط بالعلوم الطبيعية لاعتمادها على طبقات الصوت وقياس أطواله، والرافضون للموسيقى وما يمت لها بصلة يستندون إلى فهم بعض الأحاديث لرفضها ويحذرون الناس من العذاب الحاصل لمستمعها، والمتسامحون في إباحتها وقبولها لا يرون الدليل ناهضا على حرمتها، وتبقى الموسيقى في دائرة السجال.

ولقد انتبه الإنسان منذ بداية تفاعله مع الطبيعة أن نغمة الأصوات تجذب أذنه وتُهدِّئ روحه وتدفعه نحو الحركة والإنجاز، وأن حاجته لطبقات الصوت والأنغام كحاجته للطعام والشراب، وقد صاحبت الإيقاعات مُختلف حاجاته في الأفراح والأحزان، ودخلت الموسيقى عالم التربية والتعليم فكانت ملاذ التربويين في كافة المراحل الدراسية، وجَعْل الطلبة أكثر تفاعلا وانسجاما وحبا للمدرسة وبيئتها ومكوناتها وعلومها، وساعدت الطلبة على الهدوء والاتزان العاطفي وزيادة التحصيل والتفوق الدراسي، وامتصاص النشاط الزائد وإظهار البهجة والتفاعل الإيجابي، والمشاركة في مختلف الأنشطة والبرامج.

فأحد أهم الذكاءات التي منحها الخالق في تكوين الإنسان هو الذكاء الموسيقي، وهذا الذكاء يَتَداخل ويتعاضد مع غيره من مختلف الذكاءات، ولذلك فإن إضافة الموسيقى للطلبة في مجال التربية والتعليم أصبحت حاجة ضرورية ومُلحة في دمجها في مقررات التدريس، فالأبحاث العلمية أثبتت نتائجها في التأثير على زيادة تطور المواقف الإيجابية تجاه الآخرين، وتحسن عملية التعلم والتفكير وزيادة الشعور بالاسترخاء والمساعدة على زيادة نسبة التركيز واسترجاع المعلومات السابقة، وتُسهم في بناء روح الإنسان، وتقلل من الانفعال والتوتر، وتعمل على تهدئة الأعصاب وتُساعد على النوم، فأنصار الموسيقى والداعمون لها في مجال التربية والتعليم في العالم تابعوا مخرجاتها وراقبوا آثارها على الطلبة والمجتمع وحققوا نتائج مميزة في تكامل بناء الإنسان.

ولكن المتابع في مجتمعنا يرى أن أبرز مشكلة مع أصحاب التدين الشكلي هو طرح الموسيقى بعمومها في محيطهم وبيئتهم، ولكنهم يتجاهلون أن كثيرا من قصائد الشعر في الرثاء وترديدها والأناشيد الإسلامية والحماسية وقراءة الأدعية والأذكار وبعض القراءات لترتيل القرآن التي استخدمها القراء والمنشدون والخطباء، هي من عالم الموسيقى والمقامات والجرس والإيقاع، فالفرز بين ما هو حلال وحرام قائم على الأهواء، وبعيد عن الأدلة المستندة على أدوات العلم والأبحاث، وأن الاستمرار في محاربتها وإبعادها عن حياة المجتمع والحاجة إليها، هو أحد أخطر الأسباب لوجود العنف الاجتماعي والديني والتوتر النفسي والبعد عن الاستقرار والانسجام بين الناس، وأن التعليم ينتظر إدخال الموسيقى بين ثناياه، وسوف نرى المواهب الفنية كما هي العلمية والأدبية تتألق وتنشر الحب والسلام.

الفرز بين ما هو حلال وحرام في الموسيقى قائم على الأهواء، وبعيد عن الأدلة المستندة على أدوات العلم والأبحاث، والاستمرار في محاربتها وإبعادها عن حياة المجتمع، أحد أخطر الأسباب لوجود العنف الاجتماعي والديني