يتجدد الولاء ويتعزز الانتماء ويثري العطاء؛ مع كل سنة تضاف لعمر الوطن في مسيرته التاريخية، التي سجلت أجمل صور التضحيات والبطولات، في ملحمة وطنية جمعت شمل قبائله المتناحرة حتى تصالحت، ووحدت مناطقه وأطرافه المتباعدة حتى تقاربت، واحتوت الأفئدة والعقول حتى تآلفت، لتثمر تلك الملحمة عن تأسيس وطن رائد في نموذجه، قائد في مسيرته، معطاء في موارده، وفريد في كرمه، يتلألأ بين الأوطان مكانةً، ويسمو عزاً ورفعة، ويتألق حكمةً وحزماً، استحق الصدارة فُمنحت له تكريماً لعطائه غير المحدود، واستحقاقاً لجهود دائمة تُبذل لحفظ الأمن والسلام العالميين.

نحتفل بمناسباتنا الوطنية لنستشعر بها تاريخنا ومسيرتنا الوطنية، نعيش عبقها، نستذكر خلالها أحداثا وطنية فارقة، لتلتقي فيها أفئدتنا وفرحتنا مجتمعة، نحتفل بأمن وأمان نعيشه ونحرص على ديمومته، ونسعد بفعاليات مُبهجة يشترك فيها جميع مواطنينا، وتُسهم فيها كافة مؤسساتنا وقطاعاتنا، يجمعنا فيها حب الوطن والولاء له والانتماء إليه.

احتفاؤنا بيومنا الوطني، يتجدد به الاعتزاز والفخر بوطن يحتوينا؛ بمسيرته، بإنجازاته، بآماله، بطموحه، جميع تطلعاته تأسرنا وتدفعنا لمزيد من العطاء والتضحية لنسمو فوق كل عثرة تواجهنا، وعَبْر كل تحدٍّ يعوق مسيرتنا الوطنية، نحتفل بفيض من الحب والإخلاص والولاء بوطن اجتمعنا على ثراه وبين أوديته وجباله وتحت سمائه، صهرتنا أرضيته المشتركة، وجمعتنا مسيرته التاريخية؛ كشعب مختلف في أصوله العرقية متوحد في انتماءاته الوطنية، متجانس في تطلعاته وآماله، ثري باختلافاته وثقافاته، من ذلك جميعه تشكل النسيج الوطني للشعب السعودي، كلوحة فنية زاخرة بألوانها البديعة، ثرية بأطيافها المتميزة، فانعكس على جمال حضاري فريد، وتنوع فكري وتراثي غني بمحتواه المتباين، عميق بجذوره الوطنية، وبوحدته الشعبية، وبرعاية أبوية تحكمنا، وقيادة حكيمة تدفعنا لمزيد من التقدم والازدهار؛ لنرتقي بوطن وشعب يستحق الريادة والإقدام نفخر به ويفخر بنا.

حب الوطن والولاء له والانتماء إليه، لا يُفرض فرضاً ولا يلُقّن درساً، فهو فطري ينبع من كل نفس سوية تحب الخير للجميع وتدين بالمعروف لصاحب العطاء والبذل، كل المواطنين الذين يعيشون على أرض الوطن شركاء في المغنم والمغرم، ولا مجال إلا للعمل المشترك من أجل البناء والعطاء، فما نقدمه من خير وإيجابيات نجني ثماره نحن والوطن معاً، وما نقدمه من شر وسلبيات نحصد تبعاته نحن والوطن كذلك، ولذلك حريّ بنا أن نسعى دوماً نحو دعم كل ما يقوي بناءنا الوطني ليحفظه المولى، ويديم علينا عزه وأمنه، فبصدق الولاء وإخلاص الانتماء يكون التميز في العطاء، وبذلك نرتقي بذاتنا وبمجتمعنا ونحقق تطلعاتنا وطموحاتنا الوطنية، في الإطار الصحيح للمواطنة التي تستوعب مختلف الثقافات والفئات، لتحقيق الاندماج والتشاركية والمسؤولية لما فيه صالح الوطن والمواطنين.

من المسؤولية الوطنية الاهتمام بمنجزاتنا والمحافظة عليها والحرص على استمراريتها ونمائها، ومن حب الوطن تمثيله بما يليق به في كافة محافله وفعالياته، سواء على أرضه أو خارجها، ومن احترام الوطن تقدير مكتسباته ومختلف مكوناته والاعتزاز بها، ومن الإخلاص للوطن البعد عن مواطن الفساد ومحاربته بكافة أشكاله ومستوياته، ومن الولاء للوطن وتعزيز الانتماء إليه؛ توثيق لُحمته، باحترام الآخر المختلف، بما يتضمنه الاختلاف بعناصره المتعددة، سواء الفكري منه والثقافي، أو الديني والمذهبي، أو العرقي والقبلي، وغير ذلك من أوجه الاختلاف التي تُضعف الكيان الوطني، وتؤثر سلباً في استقراره لولا تذويبها واحتوائها، وبذلك تبُنى اللحمة الوطنية المتينة، التي يصعب على الحاقدين اختراقها، أو التسلل عبر ثغراتها، وعليها يستند النسيج المجتمعي الوطني في إطار من التسامح والحب والقبول والاندماج بين شرائحه، ليعمل الجميع بجهود متضافرة، ونفوس متآلفة متصالحة بينها ومع الوطن، وبذلك ينُجز الوطن ويعتز بمواطنيه، ويفتخر المواطنون بوطنهم.

احتفاؤنا بيومنا الوطني يحمل كثيرا من المعاني وعددا من الرسائل العميقة في مغزاها وفحواها، والتي تتجاوز به تلك الاحتفالات والمظاهر المبهجة في الاحتفاء بيوم توحيد الوطن وتأسيسه على كلمة التوحيد، معان تدعو للمحافظة على أخوة الوحدة الوطنية كنموذج قامت على أساسه الدولة السعودية، وفي ذلك انقياد وولاء ووفاء لرعاية أبوية ممتدة، تتحمل مسؤولية تنمية وطن، وتحرص على رفاه مواطنيه، وتسعى لاستتباب أمنه.

احتفاؤنا بيومنا الوطني يحمل رسائل وطنية شفافة؛ للمواطن، ليستشعر مسؤوليته فيما أؤتمن عليه من مقدرات، وللمقيم؛ في محافظته على مقدرات وطن احتواه ويسر له سُبل الرزق والعيش الكريم، وللزائر؛ في تقدير ما يقدم له من خدمات وتسهيلات، وللمتابع؛ في نقل صورة شفافة نزيهة عن جهود ونفقات تُبذل، للارتقاء بهذا الوطن وسكانه وضيوفه؛ ليستمر في عطائه المتميز وريادته المستحقة.

لا يشعر بقيمة الوطن إلا فاقده، ولا يقدر حجم عطائه إلا المحروم؛ الوطن هو تلك الشجرة الوارفة الظل التي تظلل مواطنيها، وتحميهم من الريح العاتية والمطر الشديد المنهمر، بها يحتمون وعليها يستندون ومن أجلها يعيشون ويبذلون الغالي والنفيس، للدفاع عنها وللمحافظة عليها قائمة ثابتة وارفة بأوراقها، يانعة وزاهية بطرحها من الثمار والزهور، المواطنون هم ثمارها وزهرها الذي تتزين به وتزهو، هم عنوانها ورمزها تحتويهم في كنفها رعايةً وبناءً، وينتمون إليها أصالةً وامتداداً، عطاؤهم شامل وخدمتهم وولاؤهم واجب، وكما وأن لهم مستحقات فإن عليهم واجبات مفروضة تفرضها التبعية الوطنية والفطرة الإنسانية والاستجابة العاطفية. وطن لا نفديه بأرواحنا لا نستحق العيش فيه، دام عزك يا وطن، بك نفتخر وعنك نذود ولك نفدي بالغالي والنفيس.