في مذكراته «زمن الخداع»، يذكر الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن سبب عجز الوكالة عبر السنوات عن الكشف عن برنامج العراق السري للتسلح النووي هو الخلل في نظام الضمانات المنصوص عليه في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأنه لم يكن يعمل بالكفاءة المطلوبة، حيث لم يكشف الستار عن البرنامج النووي العراقي إلا في أعقاب ما تعرض له من هزيمة عسكرية، فطوال عدة عقود لم يكن بوسع الوكالة سوى تفتيش ما تعلن عنه الدول الأطراف في المعاهدة، فبدأت الوكالة العمل على صياغة نموذج «البروتوكول الإضافي»، الذي من شأنه أن يجعل عمليات التحقق التي تقوم بها الوكالة في الدول أكثر قوة وتفصيلا.

فمن خلال البروتوكول الإضافي يمكن لمفتشي الوكالة تفتيش أي مكان، سواء معلن كمنشأة نووية أو غير معلن، كما أن التصريح بالتفتيش يجب أن يمنح خلال ساعتين من الطلب، ويمكن للوكالة تركيب كاميرات مراقبة في المنشآت النووية وأخذ عينات بيئية من أي مكان، ولقد تم اعتماد هذا البروتوكول في 1997، وهو سارٍ في 134 دولة حتى الآن.

وقد صرح يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي وزير الطاقة الأميركي ريك بيري، بأن الولايات المتحدة لن تزوّد المملكة بالتكنولوجيا النووية إلا إذا وقعت على البروتوكول الإضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك أن المملكة أبدت رغبتها في الحصول على التكنولوجيا النووية من الولايات المتحدة، حيث تعتزم طرح عطاء بمليارات الدولارات خلال العام المقبل لبناء أول مفاعلين نوويين مخصصين لإنتاج الكهرباء.

وقد منحت الولايات المتحدة منذ عام 2017 عدة تراخيص لشركات أميركية لتبادل المعلومات الأولية الحساسة حول تكنولوجيا الطاقة النووية مع المملكة، ولكن هذه الاتفاقيات تمت تحت تصريح 810 من وزارة الطاقة الأميركية، والذي يتيح للشركات الأميركية التفاهم والاتفاق على نقل التكنولوجيا النووية، ولكن لن يتم تصدير أي تكنولوجيا نووية خارج الولايات المتحدة إلا من خلال اتفاقية 123، وهي من صلاحيات الكونجرس.

حاليا المملكة لم تنضم للبروتوكول الإضافي بعد، ولكنها عضو في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وبرنامج الضمانات الملحق بالمعاهدة، وهي موقعة على «بروتوكول الكميات الصغيرة» وهو ملحق باتفاق الضمانات الشـاملة، والغرض منه هو الحد من عبء تنفيذ الضمانات الواقع علـى عاتق الدول ذات الأنشطة النووية القليلة أو المعدومة، وفيه تعلق عمليات التفتيش، ويظل ساري المفعول إلى أن تتجاوز كميات المواد النووية الموجودة داخل الدولة الحدود المنصوص عليها (كيلوجرام من البلوتونيوم أو اليورانيوم المخصب و10 أطنان من اليورانيوم الطبيعي)، ووفقا لهذا البروتوكول تستطيع المملكة بناء المنشآت النووية سرّا، ولا يتوجب عليها إخبار الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلا قبل إدخال المادة النووية بـ180 يوما، ولا يتعين عليها الكشف عن أعمال البحث والتطوير والاختبار الميكانيكي لأجهزة الطرد المركزي، وهذا ما يقلق بعض الأطراف.

البروتوكول الإضافي اختياري وليس إلزاميا، ولكن هناك ضغوط تمارس على المملكة للانضمام إليه، وقد يتوجب على المملكة الانتظار حتى تُعرف ملامح التعديل على الاتفاق النووي مع إيران، حيث صرحت إيران أمس بأنها قد تقبل بتعديلات بسيطة على الاتفاق النووي في حال رفعت الولايات المتحدة عنها العقوبات، فإذا سمح لإيران بالتخصيب يجب أن يسمح للمملكة أيضا، فغير الولايات المتحدة يتنافس على بناء المفاعلين كل من روسيا والصين وفرنسا وكوريا الجنوبية، ويجب التنبه إلى أنه مع كوريا الجنوبية، المملكة ستضطر للموافقة على اتفاق 123 الأميركي، لأن كوريا الجنوبية تستخدم التكنولوجيا الأميركية في بناء المفاعلات.