أثناء الحقبة الاستعمارية، أُعطي البيض امتيازا وحقوقا دون غيرهم، كالتعليم والمواطنة وحيازة الأراضي، بينما تم اضطهاد السود وامتهانهم وإشغالهم بالوظائف الدنيا، وكانت تمارس تجارة الرقيق في أبشع صورها، حتى وصل الأمر إلى استخدام الأطفال السود كطعم في اصطياد التماسيح، إذ كانوا يربطون الأطفال بالحبال ويضعونهم على حافة البحيرات، فتخرج التماسيح على أصوات بكائهم وصراخهم، ويتم اصطيادها أثناء انشغالها بالتهام أولئك الأطفال.

هي عنصرية لم يشهد التاريخ البشري لها مثيلا، وما زالت وصمة عار لأولئك المدّعين للديمقراطية الانتقائية، رغم ما تعاقب بعد ذلك من حقوق ومساواة وادعاء للديمقراطية وحرية التعبير.

في بداية ظهور السينما، تم استخدامها لإظهار تلك الصورة العنصرية من الاستهزاء بالسود وتحقيرهم، فكان مشاهير السينما يصبغون وجوههم باللون الأسود الداكن، ثم يظهرون في تلك المشاهد الساخرة، وأصبح عُرفا أن صباغة الوجه باللون الأسود ليس إلا نوعا من الامتهان والاحتقار للجنس الأسود.

البعض حديثهم شيء وحقيقتهم شيء آخر. وتصنُّع البعض للمثالية ربما يكون لأسباب نفسية، أو لأطماع شخصية أو لإكمال نقص أو عيوب. وعلينا أن نعترف أنه في العصر الحديث ومع انتشار وسائل التواصل، أصبح ظهور مثل هذه النماذج كبيرا جدا، وأصبحت ساحات الإعلام منبرا لهم لنشر أقوالهم التي لا يفعلونها.

فقبل سنوات نشرت الخارجية الكندية بيانا بأنها تشعر بالقلق الشديد حيال تعامل السلطات السعودية مع الناشطات الحقوقيات، وتم استخدام قضية بعضهم لتشوية الصورة العالمية للمملكة في مجال حقوق الإنسان. إلا أن رد الحكومة السعودية كان قويا وواقعيا، ومفنّدا لتلك الأكاذيب ومستهجنا لها، وتم إصدار ردّ كرسالة واضحة لأولئك المتاجرين بقضية حقوق الإنسان لأغراض سياسية وابتزازية بحتة.

إن المثالية في جوهرها أمر محمود، ويحاول الأشخاص العقلاء الوصول إليها بجهد ومثابرة. أما الفاشلون فيرغبون في الصعود إلى القمة خلال التسلّق على أكتاف الآخرين، محاولين تحطيمهم والتقليل من إنجازاتهم، وتوجيه النقد السلبي لهم.

ويظل الشخص المدعي يتخفى خلف قناع من المثالية والكمال حتى يأتي يوم ويسقط ذلك القناع، وينكشف الوجه الآخر والحقيقي.

إن هؤلاء الأشخاص فشلوا في إثبات وجودهم في الواقع، فلجؤوا إلى عالم افتراضي استغلوا فيه الإعلام، ووسائل التواصل لنشر صورة وردية عن تلك الشخصيات الوهمية.

هذه الأيام انكشف قناع رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، وواجه أزمة حقيقية قد تتسبب في القضاء على مستقبله السياسي.

فهذا الرجل الذي كان يظهر بين فينة وأخرى منافحا عن حقوق الإنسان، محاربا العنصرية، مدعيا المثالية والكمال، تم نشر أشرطة فيديو له وهو يرتدي ملابس الشخصية الفنتازية علاء الدين، وقد صبغ وجهه باللون الأسود في إشارة صريحة إلى النهج العنصري الذي نشأ وتربّى عليه هذا الشاب، وكانت صدمة الكنديين كبيرة بعد أن عرفوا كيف تم استغفالهم والضحك عليهم، لإيصال شخصية عنصرية إلى منصب رئيس الوزراء في بلد يدّعي الديمقراطية والحرية.

وأخيرا، مهما طال استخدام الأقنعة، فلا بد أن تزول يوما، وتظهر تلك الوجوه البشعة.