استغرق مشروع بناء قطار الحرمين 10 سنوات، بدأ منذ 2009 لينتهي في 2018، حيث بدأ التشغيل التجريبي له عاما، على أن يفتتح رسميا في الأيام التالية للاحتفال باليوم الوطني من 2019، وذلك بعد أن تعثر افتتاحه المقرر منذ 2012، لتغيير الشركة المنفذة وغير ذلك مما يتعلق بشؤون الإنشاء والتشغيل والصيانة، وغيرها من الأمور ذات الصلة بالمشروع ومتطلباته الفنية والإدارية والمالية.

تضمن المشروع في منشآته المنجزة فعليّا، 4 محطات في الرحلة بين الحرمين الشريفين، المدينة المنورة، مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، جدة، مكة المكرمة، لمسافة تصل إلى نحو 480 كلم، وسرعة تشغيلية تبلغ 300 كلم/‏‏الساعة، وتكلفة إجمالية تجاوزت 60 مليار ريال سعودي، وبتوقع إركاب ما يزيد على 3 ملايين راكب سنويا.

قطار الحرمين السريع، لا يُعدّ مشروع نقل عاديّا يصل بين مناطق مختلفة من وطننا الحبيب، فهو مشروع استهدف خدمة المواطنين والحجاج والمعتمرين، كجزء من الخدمات التي تبذلها الدولة بسخاء في خدمة الحرمين الشريفين والمواطنين.

هو حُلم عشنا نترقب تحقيقه 10 سنوات من عمر الوطن والمواطنين، استنزف المليارات من الريالات من ميزانية الدولة، ومن نفقاتها المحسوبة، واستهلك سنوات من الجهود، واستحوذ على تفكيرنا ومتابعتنا لتفاصيل منجزاته، لنلمسه منجزا وطنيا ضمن سلسلة من الإنجازات التي نتطلع إليها، ولنستفيد منها ونفاخر بها بمزيد من الاعتزاز بوطننا الذي يحتوينا بمنجزاته وعطائه.

يمثل قطار الحرمين بداية التحول الوطني في تطوير وسائل النقل العام، للربط بين عدد من المدن الرئيسية في المملكة، وفي فترته التجريبية، مكّننا أن نلمس الحلم حقيقة، سعدنا به وسعد الحجاج والمعتمرون باستخدامه الميسر في النقل، باختزال المسافة وبأسعار معقولة، وأدى إلى تضخم أحلامنا وآمالنا في توفير شبكة نقل للسكة الحديد، تربط جميع مناطقنا ومدننا مع بعضها البعض، وامتدّ بنا الخيال لينسج لنا، بأنها ستكون الوسيلة المنفذة قريبا، لخدمة السياحة والنقل إلى جنوب الوطن بسهولة ويسر.

حلمنا أن نتصل بشمال المملكة وغربها وشرقها وقلبها عبر السكك الحديد، كغيرنا من دول العالم المتقدم الذي اعتمد على القطارات كوسيلة نقل رئيسية منذ زمن، حتى أصبح التنقل بين الدول الأوروبية كالتنقل بين أرجاء الدولة الواحدة، أو غيرها من تلك الدول التي حققت إنجازا في تطوير وسائل النقل عبر السكة الحديد، والذي أسهم في إحياء وتنمية كثير من المناطق المتباعدة والنائية، كما حقق فرص عمل لكثير ممن يقطنون في مناطق بعيدة عن مراكز أعمالهم.

وبين ليلة وضحاها، ونحن نتحين الافتتاح الرسمي للمشروع لينتظم مساره طوال أيام الأسبوع، ونحتفل به كمنجز وطني، يفاجئنا القدر بذلك الحريق المروع في محطة جدة ليستمر نحو 15 ساعة. حادثةٌ فُجع به المواطن أسفاً على مستوى الإنجاز لمشروع استغرق خروجه إلى النور 10 سنوات، وحُرقة على أموال وطن تهُدر دون حساب، وألمًا على منشأة وطنية تحولت في ساعات إلى ركام من الحطام وكوم من الرماد، لتكون أثرًا بعد عين، فضلا عن الأضرار البشرية والبيئية المصاحبة.

ومما تجدر الإشارة إليه، أنه وفي خضم هول الحادثة ومشاعر الأسى والحزن تعتصر كل من شاهد مجريات الحريق وآثاره المدمرة، يأتينا من في قمة الهرم المؤسسي في السكة الحديد ليقنعنا في تصريح «بأن الأضرار داخل المحطة معقولة جدا ولم تتأثر، وهذا ما صممت عليه المحطة، وإن السقف العلوي هو فقط الذي تأثر بشكل كبير جدا، أما باقي مكونات المحطة، فالأضرار تتفاوت بين متوسطة وأقل، ولله الحمد، والسبب أن أنظمة الحريق الموجودة في المحطة قد عملت بشكل فعّال، حسبما صُممت ونُفذت عليه، وتأكيدا على ذلك فقد تم الإخلاء في فترة قياسية!».

ومن جهة أخرى، تؤكد السلطة العليا في وزارة النقل في تصريح معلن، أن إعادة تشغيل رحلات قطار الحرمين السريع ستتم، ليعاود خدماته خلال 30 يوما، مستخدما محطة مطار الملك عبدالعزيز الجديدة، ومحطات مكة المكرمة، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، والمدينة المنورة.

ساعات فقط كانت كافية لتحرق أحلامنا التي عشنا نأمل تحقيقها 10 سنوات، ساعات متواصلة ونحن نتابع بألم تحول محطة كاملة إلى حطام وكأن شيئاً لم يكن، ساعات ومختلف وسائل الإطفاء المتاحة تعمل دون جدوى، ساعات كشفت حجماً من الخلل، بما لا يمكن تخيّل عمقه وتفاصيله ومستواه، خلل يشير بأصابع الاتهام إلى كل من له سلطة ويد في المشروع، ويستوجب المتابعة الدقيقة لتفاصيله من الرأس إلى القاع، للمحاسبة والمحاكمة العادلة. نأمل بمحاكمة ومساءلة تُعلن نتائجها وتفاصيلها عاجلا، لتطفئ نار المواطن المشتعلة مع احتراق آماله وتطلعاته، وتُعيد الثقة في الجهات الرسمية المسؤولة عن النقل والسكة الحديد في الوطن.