تحت وطأة الضغوط التي تعرّض لها رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي لحثّه على إحكام السيطرة على القطاع العسكري في العراق، قام خلال الفترة الأخيرة بإصدار أمرين تنفيذيين يُحتمل أن يكونا على قدر كبير من الأهمية. ويُشار إلى أن الإصلاحات جاءت في وقتٍ تتسبب فيه الأعمال غير المشروعة التي ترتكبها مختلف الفصائل المسلحة بخطرٍ متعاظم على الدولة. فالميليشيات المنضوية ضمن قوات «الحشد الشعبي»، التي يُفترض أن تكون تحت إمرة الدولة، تعتدي منذ مايو على أهداف محلية في مضمار الدبلوماسية والطاقة، وساهمت أيضا، وفقاً لبعض التقارير، في انتشار الصواريخ الإيرانية إلى درجة دفعت إسرائيل إلى توجيه ضربات متكررة ضدها. وفي الوقت نفسه، لم يتوانَ القائد الفعلي وشبه المستقل لقوات «الحشد الشعبي» وآمر تنظيم «كتائب حزب الله» المدعوم من إيران والمصنّف على قائمة الإرهاب الأميركية، المدعو أبو مهدي المهندس، عن تهديد أميركا والإعلان عن تشكيل قوة جوية تابعة «للحشد الشعبي» خارج إطار القانون، فضلاً عن إرسال تعزيزات من الدبابات إلى الميليشيا نفسها التي أمرها عبدالمهدي – بدون جدوى – بالخروج من سهل نينوى.

وردًّا على هذه الأعمال وغيرها من التصرفات المخادعة، أطلقت الحكومة مسعىً حذرا لإعادة إرساء آلية شاملة للقيادة والتحكم، هدفها النهائي هو وضع كل الميليشيات والفروع العسكرية تحت إمرة الدولة. ولكن حظوظ هذا المسعى ليست مضمونة على الإطلاق، خصوصًا بغياب المشورة والدبلوماسية المنسقة من جانب واشنطن.

بموجب المادة 78 من الدستور العراقي، يُعد رئيس الوزراء القائد الأعلى لكافة القوات المسلحة، وتُعهد مهام الإدارة اليومية إلى قيادة العمليات المشتركة في بغداد التي يرأسها حاليا معاون رئيس أركان الجيش للعمليات الفريق الركن عبد الأمير يار الله. وتُصدر قيادة العمليات المشتركة بدورها الأوامر لقيادات العمليات بالمحافظات التي تمارس سيطرة تكتيكية على الوحدات المتمركزة في الميدان.

منذ يونيو 2014، تتم إدارة الميليشيات بموجب نظام موازٍ خاضع لإشراف هيئة «الحشد الشعبي». ومع أن مستشار الأمن الوطني فالح الفياض يرأس الهيئة المذكورة، فالمسؤول عمليا عن قيادتها هو نائب رئيسها أبو مهدي المهندس. بمعنىً آخر، بات لأحد المصنّفين على قائمة الإرهاب الأميركية سيطرةٌ مباشرة على كل مديرية تقربًا من مديريات هيئة «الحشد الشعبي»، وبالتالي على الوظائف الحيوية كالمالية والاستخبارات والشؤون الداخلية والتجهيز. كما أن المهندس يدير قيادات العمليات التابعة لقوات «الحشد الشعبي» في المحافظات، وهذه الأخيرة تعمل بموازاة قيادات العمليات المشتركة التي تحمل الاسم نفسه، ما يزيد من تشتت وحدة القيادة في كل محافظة.

وفي 12 سبتمبر، أعربت المؤسسة الدينية الشيعية التي تتمتع بنفوذ سياسي مهم عن نفاذ صبرها أكثر فأكثر من ضعف التقدم الذي تحرزه الحكومة لدمج قوات «الحشد الشعبي» في القوات المسلحة ككل. وفي هذا السياق، أشار مدير مكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني في لبنان، حامد الخفاف، إلى أن السلطات الدينية «تنتظر تطبيق هذا الأمر التنفيذي». ويُذكر أن البرلمان أقرّ هذا الدمج للمرة الأولى في قانون صادر في نوفمبر 2016، ثم كرره رئيس الوزراء عبدالمهدي خلال يوليو من هذا العام بموجب الأمر الديواني رقم 237.

ويبدو أن رسالة الخفاف لقيت آذانًا صاغية – فبعد مرور يومين على تصريحه، أصدر مكتب رئيس الوزراء الأمر الديواني رقم 328 القاضي بإعادة هيكلة قيادة العمليات المشتركة. والأهم من ذلك هو أن عبد المهدي عهد إلى نفسه رئاسة قيادة العمليات الخاصة مباشرةً بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، موجّهًا بذلك رسالة مهمة عن اهتمامه العميق بهذه المسألة، وعن استعداده لوضع ثقله السياسي في إصلاح «الحشد الشعبي». وينص الأمر المذكور أيضًا على أن عبدالمهدي أو من ينوب عنه، أي الفريق يار الله، سيتولى إدارة كافة التشكيلات التابعة لقيادة العمليات المشتركة على المستوى العملياتي، علمًا بأن هذه التشكيلات باتت تشمل اليوم قوات «الحشد الشعبي». أما الأجهزة الأمنية فتحتفظ بسيطرتها الإدارية (أي التجنيد والتدريب والتجهيز) على الوحدات المنفصلة التابعة لها. وأخيرًا يمنح الأمر قيادة العمليات المشتركة صلاحية السيطرة الحصرية على كافة التعيينات في الجيش و«الحشد الشعبي» من رتبة آمر لواء أو أعلى.

* معهد واشنطن