منذ بدء العملية العسكرية الروسية في سورية عام 2015، بدأ تشكيل القوى السياسية في الشرق الأوسط يخضع لتغيرات كبيرة، حيث برزت روسيا بقوة في الساحة الدولية، فارضة رؤاها على العالم فيما يتعلق بحل المسألة السورية، ومحاولة في الوقت ذاته أن تحظى بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف في المنطقة،

وستكون القضية الرئيسة لموسكو في الشرق الأوسط في السنوات المقبلة هي تنفيذ التحول من النهج العسكري السياسي إلى النهج الاقتصادي، أو بعبارة أخرى من النهج القائم على المخاطر إلى التوجه نحو الفرص، ومع ذلك، فإن هناك عاملين قد يحدان من تنفيذ موسكو لهذه المشاريع:

أولا: رغبة دول المنطقة في تنويع علاقاتها مع معسكرات جديدة لا تعني عدم رغبتها في استمرار التعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بل قد يصبح بإمكانها الحصول على فوائد أكبر من الغرب، من خلال إظهار أن لديها قطبا بديلا.

‏ثانيا: حالة اقتصاد روسيا في الداخل رغم تحسنها نوعيا ليست بالقدر الذي يخدمها في تنفيذها لدورها الجديد.

زيارة الملك سلمان

جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو 2018 كأول ملك سعودي يزورها بهذه الصفة، وأيضا سبقتها عام 2015 زيارة ولي ولي العهد ووزير الدفاع آنذاك الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو، ثم زيارة أخرى للأمير محمد عام 2017 مهدت لزيارة الملك إلى روسيا، لتكون حدثا «لم تكن موسكو تتوقعه»، كما وصفه الباحث في فالداي ماكسيم سوتشكوف.

وعلق الصحفي الروسي أندريه كولسنيكوف الذي كان يعمل في الكرملين عن استقبال الملك «لقد تلقى الملك لدينا استقبالا على مستوى القيصر»، ثم تلتها زيارة الأمير محمد بن سلمان 2018 تلبية لدعوة الرئيس بوتين في افتتاح كأس العالم.

احتفت موسكو كثيرا بأول زيارة ملكية، وكانت شوارعها تتزين باللوحات الإعلانية التي تبرز معالم الثقافتين الروسية والسعودية طوال الطريق من المطار إلى وسط موسكو، مع رسائل ترحيبية باللغتين العربية والروسية.

وبعد المحادثات الثنائية بين الملك والرئيس، شهد الزعيمان التوقيع وتبادل مجموعة من الاتفاقيات، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، التقى الملك مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، وكانت الأجندة حول «التعاون العسكري الثنائي والوضع الأمني الأوسع في الشرق الأوسط»، ومن اللافت أن الزعماء المسلمين من الشيشان وإنجوشيا وتتارستان وباشكورتوستان كان لهم حضور لافت في تلك الزيارة.

بعد تلك الزيارة اختلفت طبيعة العلاقات بين موسكو والرياض، لكن كان ينقصها أمور جوهرية لتكتمل، وهو أن تبدي موسكو ما تتمكن به بالفعل من منافسة الغرب في مساحتها التي دخلت إليها.

كانت أبعاد الزيارة السياسية أقوى منها في الجانب الاقتصادي.

الأمن الجماعي

ترى روسيا أن أمن الخليج العربي مهم لتحسين علاقاتها مع دول الخليج.

في 23 يوليو الماضي، قدمت الخارجية الروسية عبر مبعوثها بوجدانوف مفهوم «الأمن الجماعي في الخليج العربي»، ويمكن النظر إلى هذه الخطوة من موسكو في سياق أوسع، أي في سياق رغبتها فعلا في تطوير دورها وتولي مسؤولية مزود الأمن في الشرق الأوسط. وتشمل المبادرة الاعتماد على القوى الإقليمية المتنافسة جميعها، وتلاقي مصالح مختلف الدول، عبر مجموعة من المقترحات طويلة الأجل، تبني الأمن الخليجي، وتتعهد بإيقاف إيران لاعتداءاتها، شرط أن تكون إيران طرفا في تلك المبادرة، وهو ما تختلف به روسيا عن المعسكر الغربي الذي يصرح بالعداء لإيران، وعزلها من المبادرات الأمنية.

في إطار تلك المبادرة، هناك أيضا التعاون في مكافحة الإرهاب، وحل النزاعات الموجودة في المنطقة، وخلو المنطقة من الأسلحة النووية والكيميائية، والدعوة السلمية إلى «شرق أوسط ديمقراطي ومزدهر يشجع السلام والتعايش بين الأديان»، ووفقا للوثيقة، تشمل المبادرة إضافة إلى دول الخليج، روسيا، والصين، والولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، والهند وأصحاب المصلحة الآخرين كمراقبين أو أعضاء مرتبطين.

يوضح الباحث الروسي مكسيم سوتشكوف قائلا «حافظت روسيا على مستوى منخفض فيما يتعلق بأمن الخليج، معتبرة أن المنطقة لا يوجد فيها موضع قدم لدخول الروس، ومع ذلك فقد كانت تقوم بتشكيل شبكتها الخاصة من العلاقات الإقليمية، مع التركيز على وضع نفسها في المركز، الآن تصعد اللعبة بمجموعة من الأفكار التي تعكس تغيرات العالم اليوم، وقد أثبتت السياسات الأميركية أنها كارثية على الشرق الأوسط على مدار العقود الأخيرة».

واليوم ترى روسيا بعد حادثة أبقيق وخريص، أن المبادرة الروسية أصبحت أكثر منطقية، إذ تسعى إلى تعزيز صورتها كوسيط جديد في الشرق الأوسط، وطرف لحل المشكلات، وهي صورة تبنيها روسيا لنفسها على الأقل منذ بدء حملتها السورية عام 2015.

الاتفاقيات

بالنظر إلى أن روسيا كانت تحاول الوصول إلى السوق السعودية منذ أكثر من عقد، وبالتالي فتوقيع الاتفاقيات الذي تم معها أثناء زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى موسكو يعد نجاحا بالنسبة إليها.

وقع البلدان عددا من الاتفاقيات المهمة، معظمها كانت مذكرات تفاهم، وقد تم التوصل إلى اتفاق لإنشاء صندوق استثمار للطاقة بمليار دولار، وصندوق استثمار عالي التقنية بمليار دولار، وتفاوض الجانبان أيضا على موضوع أنظمة الدفاع الجوي.

يتمثل الهدف الأساسي من الاتفاقية في أن موسكو قررت نقل التكنولوجيا العسكرية للمملكة، وتقديم التعاون في توطين الصناعات العسكرية والتقنية.

يذكر البروفيسور جريجوري كوساتش الأستاذ في الجامعة الروسية بأن «التعاون العسكري بين روسيا والمملكة ليس من المرجح أن يحدث بالفعل بشكل كامل، لكن اتفاقياته مهمة في تحصيل نقاط إضافية للجيش السعودي».

وُقعت عدد من مذكرات التفاهم بين وزارتي الاتصالات العامة الروسية والاتصال وتكنولوجيا المعلومات السعودية، وأيضا بين وزارتي الصناعة والتجارة الروسية والتجارة والاستثمارات في المملكة.

ووُضعت خارطة طريق للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، وفي مجال العمل والتنمية الاجتماعية والحماية الاجتماعية، إضافة إلى التوقيع على برنامج للتعاون في مجال الثقافة، وبرنامج للتعاون الزراعي، وبرنامج تعاون في مجال استخدام الطاقة الذرية السلمي، واتفاقية استكشاف الفضاء للأغراض السلمية.

القضايا الإقليمية

لا تعترف موسكو فقط بدورها بمفردها، ولكن أيضا بالدور المتزايد للقوات الإقليمية في الشرق الأوسط وما تفرضه على الواقع، وأهم تلك القوى اليوم هي المملكة.. هناك ملفات جيوسياسية مشتركة عدة بين البلدين، أهمها الملف الإيراني والتهديدات الإقليمية وحروب الوكالة، والأوضاع في اليمن، والشأن السوري، وحاليا الاقتحام التركي للشمال السوري، إضافة إلى الأوضاع السياسية والعسكرية في ليبيا.

يعتمد النهج السعودي الروسي على ضمان السلام والاستقرار في المنطقة من خلال القيام بأنشطة سياسية متنوعة تهدف للتهدئة، والنزوع للحلول الدبلوماسية، عبر استخدام أدوات اقتصادية وإنسانية، تنظر السعودية إلى روسيا كبلد مؤثر دوليا يمكنه أن يتوسط في تقريب مواقف اللاعبين الإقليميين وغير الإقليميين من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، وترى روسيا أن السعودية بثقلها السياسي والعسكري والديني قادرة على تولي حلول مسائل أمن الإقليم وسلامته.

الاستثمارات

خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى موسكو في أكتوبر 2017، أبلغ الملك المسؤولين الروس عن خطط الرياض للاستثمار في أكثر من 25 مشروعا مختلفا في روسيا، وتأسيس الشراكة الوثيقة ما بين صندوق الاستثمار المباشر الروسي (RDIF) وصندوق المملكة (PIF)، وإنشاء منصة جديدة للاستثمار في الطاقة الروسية السعودية، وقد كشف صندوق الثروة السيادية الروسي RDIF قبل عامين من زيارة الملك عن عزمه تعزيز استثماراته في المملكة في العام 2019، ورفعها إلى ما يقارب الـ10 مليارات دولار، في مشاريع تخص البنية التحتية وغيرها.

وأعلن صندوق الثروة السيادي الروسي الثلاثاء الماضي قبل زيارة الرئيس عن فتح مكتب في السعودية، ليكون أول مكتب له في الخارج، وعلاوة على ذلك، حضر المنتدى الأخير لسان بطرسبرج الاقتصادي الدولي (SPIEF) أكبر وفد سعودي في تاريخه البالغ 22 عاما، كما أن الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الروسي المباشر، كيريل ديمترييف، الذي تقلد وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الثانية، تكريما لإسهاماته الاستثمارية، ذكر بأن روسيا تدرس الاستثمار في شركة أرامكو بعد إدراجها بسوق الأسهم.

الإسلام والحج

في يناير 2018، زادت الرياض نسبة إتاحة تأشيرات الحج للمواطنين الروس إلى 20500، مع إمكانية زيادتها بمقدار أكبر، ومن المرجح أن يكون عدد الحجاج في السنوات المقبلة من أعلى المعدلات في تاريخ روسيا.

مشروع نيوم

مشروع NEOM مشروع عملاق، تسعى المملكة من خلاله إلى الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، والسياحة، والاستفادة من التقدم التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي الموجود لدى روسيا في تفعيل هذا المشروع.

مشروع نيوم اجتذب الاستثمارات الروسية بالفعل، وسيركز جزء من الاستثمارات الروسية بالفعل على المشروع، حيث قال ديميتريف إن عددا من الشركات وكبار التجار الروس مهتمون بالاستثمار بالأنظمة الذكية المتطورة في هذا المشروع.

وفي ختام محادثات زيارة بوتين إلى السعودية أول من أمس، وقع الطرفان نحو 20 من الاتفاقيات والتعاونات ركزت على مجال الطاقة والسكك الحديدية والفضاء والصحة والثقافة، إضافة لإقامة منتدى الأعمال الروسي السعودي.

معايير علاقة الطاقة بين روسيا والسعودية

- سعي للحصول على حصة في الأسواق الآسيوية

- مصلحة متبادلة في استقرار أسعار النفط

- تصدير الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى المملكة

- الاستثمار والتعاون في قطاع الطاقة المتجددة

نقاط تحول في العلاقة السعودية الروسية

- زيارة الملك سلمان إلى موسكو 2018

- زيارة ولي العهد إلى موسكو 2018

- توقيع جملة اتفاقيات وتفاهمات خلال زيارة الملك لموسكو

- رغبة روسية في الاستثمار في السعودية

- زيارة بوتين إلى الرياض

- 20 اتفاقا بين حكومتي البلدين

- لجنة اقتصادية سعودية روسية