في أحد أهم مدننا، وفي مكان مقدس تهفو إليه قلوب العالم قبل أجسادهم، ومع وفود شعوب وقبائل مختلفة من أصقاع العالم المتباعدة يأتي هذا المشهد.

يدخل رجل كبير السن يتوكأ على عصاته رابطا وسطه بغترته المتهدلة على تهدل سنينه العجاف، ويسحب معه ابنه (مصاب بتخلف عقلي ولديه صعوبة في الحركة)، ويسأل المحاسب عن طريقة الوصول لمنطقة الأكل المحلي (الدور العلوي).

ببساطة يشير له الكاشير (من هنا)، ولا يوجد (هنا) سوى درج صمم بشكل حلزوني ضيق جدا وغير آمن حتى على (مغامري الهايكنج)، كي لا يأخذ مساحة من المناطق التي (تجيب فلوس)، وسلامة وراحة ومشاعر الناس اللي تجيب فلوس (بالطقاق).

المصيبة أن هذا المطعم هو فرع لإحدى شركات المطاعم المصنفة من أعلى شركات المطاعم الشعبية دخلا في المملكة، وهذا الفرع فقط قد يصل دخله في بعض أيام مواسم الحج والعمرة إلى ما يقارب الـ100 ألف ريال سعودي، وهذا يعني أنه يستطيع تركيب مصعد كهربائي بدخل يوم واحد فقط.

بعيدا عن هذه المنطقة المقدسة، وقريبا من أغلب مدننا الأخرى، إذ من الطبيعي جدا أن تجد أحد (ذوي الهمم) يأكل لوحده بالسيارة (سفري) وأهله يجلسون داخل المطعم المصمم (للعتاولة) فقط، وإن أراد الدخول للمطعم فعلى أحد من أهله أن يحمله على صدره أو ظهره كما يحمل الطفل، وكلها (حذفة عصا) حتى يستمتع بالجلوس مع أهله، لأن المبنى صمم ونفذ وتمت صيانته بعد تشغيله (كم سنة) ولم يخطر ببال ملاكه أن في السعودية بأكملها واحدا على الأقل من (ذوي الاحتياجات الخاصة)، وإلا لما صمم بهذه الطريقة.

السؤال هنا: أليس هذا التعامل المنافي للإنسانية قبل الأخلاق الإسلامية، يعد إيذاء لـ(ذوي الهمم) وأسرهم؟ ألا يستحق صاحب هذا المطعم وغيره من المسؤولين الذين سمحوا له بفتح مطعمه بهذا الشكل، أن يعاقبوا بتهمة (الإيذاء النفسي لذوي الهمم)؟

كيف سنعيش مفتوحين على العالم وننتظر منهم أن يكونوا سعداء بيننا، ونحن لم نهتم بمشاعر بعضنا، فما بالك أن يأتي أحدهم وهو (معاق) طوال حياته ويجوب دول العالم، ولم يشعر بأنه معاق إلا إذا وصل مطاعمنا وأماكننا الخدمية.

باختصار يا وزارة العمل: مطاعمنا تؤذي (ذوي الهمم) وأسرهم، وهذا الإيذاء لم يُحرك ساكنا بالوزارة لتصحيح خلله، وأضعف الإيمان أن يتم عمل تطبيق متاح للجميع لتصوير تلك المخالفات أسوة بمخالفات (الغش التجاري وغيره)، ويكون لها نظام عقوبات رادع قد يؤدي إلى إغلاق المنشأة.