(مدخل)

لم يكن تأييد جريمة إردوغان في اجتياح شمال سورية وانتهاك سيادة أرض عربية، وصناعة حالة من الفوضى والقتل والدمار، أمرا جديدا على قطر، فقط سبق ذلك حالات كثيرة، يُثبت خلالها تنظيم الحمدين انشقاقه عن الإجماع العربي والخليجي، وترسيخ نفسه كحالة نشاز مؤيدة للإرهاب ونشر الفوضى في أي قطر عربي.

«ليس جريمة، أن تعمل تركيا على حماية نفسها من المجموعات الإرهابية»، «ما تقوم به تركيا في محافظتها على وحدة أراضي سورية لم تقم به الجامعة العربية»، الحديث السابق لم يكن لإردوغان أو أحد معاونيه، بل كان من كلمة لوزير الدفاع القطري خالد العطية، في الدورة الثانية لمنتدى الأمن العالمي بالدوحة قبل أيام، حسب موقع «العربية نت»، هل سمعتم نكتة أقبح من هذه؟!، هذه هي قطر الحمدين المشوهة.

«البداية كانت من هنا»

تغيير ناعم بدأت بوادره عام 1992، عندما استلم أحد أسباب القلق العربي حمد بن جاسم ملف الخارجية القطرية، عبر جسر الحاكم الفعلي لقطر حمد بن خليفة حينها، بدأ النظام القطري الجديد «تنظيم الحمدين لاحقا» نسج خيوط مرحلة ما بعد الشيخ خليفة بن حمد، والتي كان من أهم ملامحها محاولة تجاوز عقدة الموقع الجغرافي الذي لا يُرى بالعين المجردة، ثم تمهيد العلاقات الإسرائيلية القطرية، واستثمار العلاقة مع الإخوان المسلمين، والتجهيز لشق خاصرة الخليج، والذي بدأ به حمد بن خليفة فعليّا قبل ذلك التاريخ، بعد تحريض صدام على البقاء في الكويت، ثم محاولة عرقلة القمة الخليجية في الدوحة، والخاصة باجتياح العراق للكويت، ثم عدة محاولات عسكرية فاشلة لتوسيع الحدود باتجاه البحرين، ثم السعودية.

كل هذا قام به ولي العهد حمد بن خليفة، متجاوزا الأمير المغلوب على أمره، والذي يفاجأ بالأمر الواقع كل مرة.

دأب نظام قطر على استثمار التطرف والمشي معه جنبا إلى جنب، وإيصاله إلى مبتغاه، حتى صارت الجماعات المتطرفة والإرهابية صديقة للنظام القطري، ثم أضحت كالذراع القوية للنظام القطري، الذي يسعى جاهدا إلى تحقيق وجود إقليمي بأي وسيلة كانت، وأما الذراع الأخرى فهي الإعلام المضلل عبر قناة الجزيرة التي تضخمت حتى أضحت دولة داخل الدولة.

«نظام قطر الصديق الحميم لجماعة الإخوان»

عام 1999، خرج أبرز الأسماء الإخوانية القطرية، وهو الدكتور جاسم سلطان، بإعلان حل جماعة الإخوان المسلمين في قطر، وأنه لا حاجة إلى التنظيم في قطر، بعد جهود كبيرة قام بها كل من: يوسف القرضاوي، وعبدالبديع صقر، وأحمد العسال، وغيرهم من أوائل الستينات الميلادية، في تربية أجيال قطرية متعددة على مبادئ الإخوان ودعوتهم، وكان معتمد «جاسم سلطان» في حل التنظيم القطري إعادة تفعيل دراسة معطلة قامت بها الجماعة عام 1991، بعد خلافات عاصفة بين قيادات التنظيم الإخواني القطري، استدعاها سلطان جاءت حاجتها عندما تماهى التنظيم القطري مع الجماعة الإرهابية لتحقيق أجندة معقدة في الشرق الأوسط، اتضحت نتائجها مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإرهاب القاعدة.

وفي أواخر عام 1992 زكّى سلمان العودة للقرضاوي لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، والمعروفة شعبيا بلجنة المسعري والفقيه، وقام القرضاوي بالتوسط لدى التنظيم القطري الجاهز أساسا لدعم أي معارضة سعودية، حسبما أفصح عنه المسعري مؤخرا.

ثم في فتنة الربيع العربي لعبت قطر دورا مفصليا في الوساطة بين أميركا والإخوان المسلمين لإيجاد أرضية حوار مشترك، لإمكان وصول الإخوان المسلمين إلى كراسي الحكم في البلدان العربية، وهو ما تم بالفعل، إذ استطاع الإخوان الوصول إلى بعض الغايات، ولكن الجهود، والإرادة الشعبية حالت دون الكارثة.

كانت الجماعة الإرهابية صلة وصل مع كل تنظيمات الإرهاب والتطرف في العالم، استطاع النظام القطري خلالها الاستفادة من إرث وتراكمات 90 سنة، بنت خلالها الجماعة أكبر قاعدة شعبية واتصالية في معظم دول العالم.

«الدولة القناة»

تم إطلاق قناة الجزيرة الفضائية عام 1996، على أنقاض فكرة لقناة أوربت الفضائية، التي حاولت نقل القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية بأكمله إليها، ونظرا للإساءات التي لا تغتفر لهذه الإذاعة «القسم العربي في BBC» للمملكة وحكامها، كان الموقف السعودي صارما من هذه الاتفاقية، مما أدى إلى انتقالها بكامل طاقمها لتكون نواة لقناة الجزيرة الفضائية، والتي حملت معها بذرة الحقد على كل ما هو سعودي. تأسّست القناة بوصفها قناة فضائية خاصة مملوكة لمصالح تجارية مختلفة، واستطاعت ببرامجها المثيرة استقطاب الجمهور العربي، وتسبّبت في حدوث مشكلات دبلوماسية كثيرة لنظام قطر، وأضحت هذه القناة بمثابة وزارة ظل لخارجية قطر المترددة، والتي لا تقوى على مجابهة جيرانها الأقوى قولا وفعلا.

كان هدف النظام القطري من إنشاء القناة، هو وضع الدولة التي لا ترى على خرائط الجغرافيا، في مكانة أكبر من حجمها على الخارطة السياسية الإقليمية والدولية، ولذلك قال حمد بن جاسم: «نحن نؤسس لقناة ستكون القوات المسلحة القطرية»، وبالفعل أدت القناة الدور المطلوب، بل كانت أساسا في تثبيت حكم حمد بن خليفة صاحب فكرة إنشائها.

سعى النظام القطري إلى تحويل قناة الجزيرة إلى بوق كبير لأصوات المرتزقة والروبوتات الإعلامية، الذين وجهوا أصواتهم إلى الأهداف التي يعاديها النظام، خاصة أشقاءه الخليجيين ثم العرب، تحت مظلة الشعارات الإعلامية الرنانة كالرأي والرأي الآخر، والحرية الإعلامية، والرأي العام، وما وراء الخبر، وتستهدف بذلك المتلقي العربي البسيط، وهم الغالبية في المجتمعات العربية، غير أن تأجيجها الشيطاني ورقصها على جراح الشعوب العربية خلال الربيع العربي، وانحيازها المطلق للإرهاب، وتقديمها المحتوى الإعلامي كصوت دعائي متحيز لقضايا جماعة الإخوان الإرهابية، جعلها تفقد الثقة، وتعطي الدليل تلو الآخر على زيف شعارها «الرأي والرأي الآخر»، وهذا ما أسهم كثيرا في تكوين وعي جديد في الذهنية العربية صرفها عن الجزيرة، وأقنعها بالبحث عن الخبر من المصادر الوطنية.

«نظام قطر والعزف على وتر التناقضات بتناقض أكبر»

قامت الأجندة الدبلوماسية والسياسية القطرية على التعامل مع المتناقضات بتناقض أشدّ، إذ أظهر نظام قطر نفسه على أنه الوسيط الرئيس في الصراعات الإقليمية، والتي تشمل الصحراء الغربية وليبيا ودارفور وفلسطين ولبنان واليمن وإثيوبيا وإريتريا، وهي في الوقت ذاته تؤجج هذه الصراعات، أو تنصر طرفا على طرف، أو تتعامل مع الطرفين في الوقت ذاته، وهذا حدث كذلك مع إسرائيل التي أقام معها القطريون علاقات عمل متينة وراسخة، وفي الوقت ذاته تدعم أعداءها المعلنين إيران وحماس وحزب الله، وتتعامل معهم معاملة الشقيق، وهذه المواقف المتناقضة تروم من ورائها الدبلوماسية القطرية بناء صورة لنظام قطر كصديق للجميع في المنطقة، وبالتالي كوجهة محتملة للاستثمار، بل ربما توهمت أنها بهذا العمل تحمي نفسها من تداعيات الصراع الإقليمي، خلال الزعم بأنها ليست عدوّة لأحد، وكذلك حينما تبني علاقات جيدة مع الجميع يمكّنها ذلك من رفع مكانتها العالمية كبلد ذي نفوذ في الشرق الأوسط، تلجأ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا واللاعبون العالميون الآخرون إليه، ولكن ما فضح هذا الدور الشيطاني هو اندلاع ما يسمى بالربيع العربي.