تتكرر أمام أنظارنا كل يوم مشاهد مؤذية، في ساحات حدائقنا العامة، وممراتها المليئة بأكوام النفايات المتناثرة، ومظاهر التشوه البصري، نتيجة العبث اللّاواعي، وضعف الوازع القيمي لدى بعض مرتادي هذه الأماكن، ولا تكاد تخلو حدائقنا ومتنزهاتنا من فرق النظافة، التي ألفنا وجودها الدائم، في عمل مستمر لرفع مخلفاتنا، لدرجة أن البعض يعتقد ضرورة وجودها، ويمعن في توفير أسباب عملها بترك مخلفاته في مكانها.

ولست بصدد وصف ما نراه من عبثية مدركة ومشاهدة، لكن السؤال الحائر: كيف يمكن أن تكون حدائقنا العامة ذكية ومعززة للصحة ومقصداً للترفيه؟

لا نقصد بالذكاء في طرق الاستزراع، وترشيد الماء والطاقة، وأعمال التشييد، وغير ذلك من الماديات الإنشائية، كما هو موجود في نظم بعض الحدائق حول العالم، لكني أشير إلى الذكاء الإداري الذي يحقق لنا القضاء على مظاهر العبث، ويمنع إهدار ممتلكاتنا العامة، ويحافظ على ثرواتنا الحضارية، ويعزز قيمة النظافة، ويرفع من جاذبية المكان، وينمي قيمنا السلوكية في المحافظة على كل مرفق وجد من أجلنا، ليستمر لقادم أجيالنا، وأما حاجتنا لجعلها معززة للصحة، فهو أمر ملحّ في ظل انتشار الكثير من الأمراض المزمنة: كالسكري، وضغط الدم، وظاهرة السمنة، وكلها تتطلب ممارسة الرياضات، وتنظيم العادات الصحية الحيوية، كالمشي، والسباحة، وممارسة الألعاب المختلفة، وفي خضم هذا التوجه المتنامي نحو بناء منظومة الترفيه، فمن المعلوم أن من أهداف هذه المرافق توفير المتعة والترفيه والترويح العائلي، وإمتاع كافة شرائح المجتمع، ويمكن الإفادة من موجوداتها لخدمة هذا المجال.

ولكي تكون حدائقنا ذكية الأداء، معززة لصحة الإنسان، ومشبعة لرغبات الترفيه، فمن الممكن أن نحقق ذلك بالالتفات إلى بعض الأمور في الجوانب الإنشائية والتشغيلية:

ففي الجانب الإنشائي قطعت وزارة الشؤون البلدية مشكورة شوطا كبيرا في إنشاء الكثير من المنشآت مختلفة الفئات، ووفرت كثيرا من مستلزمات الترفيه، وممارسة الرياضات المتنوعة، إلا أننا بحاجة إلى إعادة هيكلة بعض المنشآت، بإضافة بعض الجوانب التي تساعد طواقم التشغيل على حسن الإفادة منها ومن ذلك:

تصنيف هذه المنشآت إلى فئات، بحسب ما تقدمه من خدمات، وتهيئة بعض منها لاستثمار القطاع الخاص.

توفير مقرات ملائمة للإدارة والتشغيل، لبيع التذاكر، ومستلزمات الدخول، وتحصيل رسوم المخالفات وبناء المسارح العامة، وبعض المتطلبات اللازمة لتحقيق تطلعات الهيئة العامة للترفيه، وبرامجها المستهدفة.

أما في الجانب التشغيلي، فيتم نقل إدارة تشغيل الحدائق العامة إلى هيئة الترفيه، على أن تقوم الهيئة بتدريب وتأهيل كوادر ذات مهنية عالية، في تطبيقات إدارة المنشآت، وعلاقات الجمهور، من خلال توظيف منظومات التقنية الذكية، كالبطاقات والأسورة الإلكترونية، تمنح للزوار لتحديد مكان التواجد، وسلامته عند المغادرة من العبث، وخلوه من المخلفات، ورصد أي مخالفة في حينها، في ظل وجود قوائم معلنة في مرافق المنشأة للمخالفات ومقدار الغرامات، يتم استيفاؤها فوريا، واستحداث آليات وأنظمة لتحصيل رسوم رمزية، بفئات مختلفة، حسب محتوى الحديقة، ورغبات الاشتراك، ولا يزال في قوائم الإنشاء والتشغيل تفصيلات كثيرة، يدركها المختصون من جانب البلديات وهيئة الترفيه، نأمل من خلالها نقل حدائقنا إلى واجهات عالية الجودة، فائقة التنظيم، تراعي كل المتطلبات التي ينشدها كل أفراد المجتمع، وتلبي حاجاتهم المتنوعة، وفق الذائقة التي ينشدها كل زائر، بما في ذلك المراسم الحرة، والمكتبات المتنقلة، والعروض الشعبية، والأجنحة التراثية، والصالات المتعددة للسينما والعروض الرياضية وغيرها، إضافة إلى ما توفره من فرص العمل المتنوعة، في مجال الإدارة، وتشغيل المنشآت، وما يمكن أن تخصصه للأسر المنتجة، في مجال المطاعم، والمقاهي، وتسويق المنتجات الشعبية، في ظل الرقابة الصحية والتجارية من جهات الاختصاص.

ولعل فتح هذه المنشآت أمام القطاع الخاص للاستثمار، وفق اشتراطات دقيقة تلبي حاجة المستثمر والمستفيد، وتجعلها وجهة للترفيه والنشاط، ومرفقا يضرب به المثل في النظام، والنزاهة، والصحة، والجاذبية، ينقلها إلى واقع أفضل، ويحقق الكثير من الأهداف المرجوة منها.