الحدود التي تربط سورية بتركيا تعتبر أطول حدود لتركيا مع أي بلد آخر، وهذا له دلالات كثيرة بين البلدين، فهذه الحدود الممتدة كانت تسهل عملية التواصل والعبور في حالات السلم، ولكنها في أوقات الصراع تتحول إلى مصدر للتوتر والنزاع. فقد شكلت سورية للدولة العثمانية بوابة عبور نحو البلدان العربية، ومن خلال سورية تمكن العثمانيون من إدخال المشرق العربي وشمال إفريقيا تحت حكم العثمانيين.

إن موقع سورية الإستراتيجي جعلها تقع فريسة الصراع بين ثلاث قوى إقليمية، هي تركيا والعراق ومصر، مما جعل وضعها السياسي في غاية الحساسية والتعقيد، وفرض على المنطقة أوضاعا اقتصادية واجتماعية معقدة، وإضافة على الفضاء السياسي الذي يتشكل بصورة متسارعة في سورية. وفي ظل الوضع الإقليمي الذي يشهد تغيرات دراماتيكية على مدار الساعة وتحالفات ونزاعات تحدث بصورة غامضة غير مفهومة للمتابع، طفت على السطح من جديد، وبشكل أكثر جدية، القضية الكردية التي زادت الأوضاع تعقيدا وتأزما، القضية التي تعتبر الطرف الثابت لكل عملية سياسية تتورط فيها تركيا داخل الأراضي السورية.

كانت القضية الكردية بمثابة الورم الخبيث في الجسد التركي، فالأكراد في شمال العراق والأكراد في سورية كانوا على الدوام صداعا مزمنا للحكومة التركية، حاولت على الدوام التخلص منه بأي ثمن ووفق أي طريقة. فبعد ثورات ما يعرف بالربيع العربي، وما صاحبها من تحولات سياسية واسعة النطاق، لم يكن الأكراد بعيدين عما يجري من أحداث، ويكفي أن فكرة تشكيل حكومة للأكراد في سورية لتكرار نموذج الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، أصبحت من الأزمات السياسية التي يجب أن تواجهها الحكومة التركية إما سياسيا أو عسكريا لو اقتضى الحال.

فقد شكلت القضية الكردية قيدا دبلوماسيا يقيد تركيا، حيث المطالب السياسية لأكثر من 20 مليون كردي، واجهتها الحكومة التركية بالقمع وانتهاك حقوق الإنسان في سبيل الخلاص من هذا القيد، فالكرد يمثلون نسبة ليست بالهينة من سكان الدولة التركية، وهؤلاء لهم لغتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومرجعيتهم وقوميتهم، ولهم طموحهم الخاص بتكوين حكومة مستقلة للأكراد، وتزداد المطالب بتكوين حكومة مستقلة في حالات ضعف الأداء الاقتصادي للحكومة التركية الذي يؤثر بطبيعة الحال على مستوى المعيشة للإقليم الكردي.

مارست السياسة التركية ومنذ الحرب العالمية سياسة قمع الأقليات -خصوصا الأكراد- بصفتهم الأقلية الكبرى داخل المجتمع التركي، مما فاقم من الشعور بالإقصاء وفقدان الانتماء للوطن لدى هذه الأقليات، حتى تحولت إلى ورقة ضغط ضد الحكومة التركية. ويضاف لحالة الشعور بالإقصاء وفقدان الانتماء، قضايا أخرى تشمل الفقر والبطالة والمستوى المتدني من التعليم، وهذا الوضع المتدني للأقليات يضع كثيرا من علامات الاستفهام حول النظام الديمقراطي في تركيا، ويفقده المصداقية ويعكس مقدار الطبيعة المركزية والتسلطية للحكومة التركية.

ومع كل وسائل القمع المتبعة ومحاولات الصهر الثقافي والعرقي، استمرت قضية الأكراد شائكة، وزادت معها الحركات الانفصالية وحركات التمرد، وتحولت المناطق الكردية إلى بؤر توتر داخل تركيا وعلى حدودها، حيث يمكن استخدامها كورقة ضغط ضد حكومة تركيا، بل إن هذه القضية شكلت عائقا من العوائق التي عطلت حلم تركيا للانضمام للبيت الأوروبي، لأنها أظهرت الجانب التركي بشكل أقرب للعدوان ضد دول الجوار، وبشكل منافٍ لدولة القانون واحترام حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات واحترام التعددية السياسية.