في الفترة الأخيرة، بدأ الجميع يلاحظ في الشوارع والصحف والقنوات، دعاية رائعة لشركة أرامكو، عن كونها مصدر الطاقة المُطَمئِن للعالم بشكل عام، وللسعودية بشكل خاص.

أعجبني جدا توظيف عامل الوقت واستغلاله لمصلحة الشركة، بعد أزمة ضرب معاملها الأخيرة في بقيق وخريص، وهذا في رأيي يدخل ضمن نطاق الاستفادة من الأزمة وإدارتها كفعل، لا ردة فعل. والحديث طبعاً حول هذه المسألة يطول، ولكن على كل حال، اليوم أنا أرغب في أن أحدثكم عن أمر آخر.

أذكر أني قرأت سابقا في كتاب إدارة التغيير في الإدارة العربية للدكتور إبراهيم عبدالله المنيف، أن ابتكار بيتر دركر مصطلح «عمال المعرفة» سبّب أزمة فهمٍ لدى المتخصصين العرب في الفكر الإداري في ذلك الوقت، إذ إنهم أصبحوا في إشكالٍ حول هذا المصطلح الإداري الهجين. إذ كيف يتم نقل المعرفة الإدارية المؤسسية بأشكالها كافة من دولة المنشأ، عبر الحدود، إلى الدول الأخرى.

وليوضح أكثر للقارئ، يواصل المنيف تساؤلاته حول ثقافة المعرفة التي استطاعت أن تصاحب شركات النفط في الدول العربية، من دول وثقافات مختلفة تماما.

ويقول، بما أنها انتقلت عبر الدول، لماذا لم تستطع ثقافة المعرفة الإدارية أن تنتقل خارج أسوار الشركة النفطية في الدول العربية الموجودة فيها، وإلى أجهزتها ككل؟ وينهي تساؤله حول شركة أرامكو التي تجذّرت في المنطقة الشرقية من 1930، هل انتقلت ثقافتها المعرفية إلى المنطقة الشرقية فضلا عن باقي المناطق؟

ولا يقدم لنا الدكتور المنيف جوابا حول هذا التساؤل، ليجعل الباب مفتوحا للزمن كي يجيب عنه.

الحقيقة، أن هذا التساؤل ما يزال مطروحا إلى اليوم. ولو أخذناه بشكل مبسط، وتحدثنا عن حريق محطة الحرمين في جدة، والذي حدث بالتزامن مع حريق المضخات النفطية، لقُلتُ إن فرق الدفاع المدني التي عملت في مكافحة حريق محطة الحرمين -ومع كل تقديري وامتناني لتضحياتهم العظيمة على مرّ السنوات الماضية- إلا أن إمكاناتهم الفنية والمهنية، لا ترتقي إلى أن تصبح مثل إمكانات فرق مكافحة الحريق في أرامكو.

وهذا يقودنا إلى التساؤل نفسه للدكتور المنيف: لماذا لا تنتقل المعرفة الإدارية المؤسسية من أرامكو إلى الجهات الحكومية كافة، وشبه الحكومية في المملكة؟. وبالمناسبة، هل يحق لي أن أذكّركم بأن أرامكو هي من بنت ملعب الجوهرة في جدة، وهي من بنت موقع مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، وهي من بنت جامعة كاوست.

وقبل أن أنهي المقال، وفي سياقٍ آخر، أودّ القول إن الدكتور إبراهيم عبدالله المنيف -رحمه الله- ورغم إرثه الإداري الضخم، لم يُكرّم من الجهات الإدارية الحكومية في السعودية بالشكل اللائق «وأستثني طبعا الجمعية السعودية للإدارة»، ولكن تلك حكاية أخرى تستحق مقالا آخر.