في بريطانيا كانت هناك فقرة في النظام لمخالفة من يتعدى على اللاين أو «الطابور» ولا يحترمه، بمبلغ 100 جنيه إسترليني، حتى لو كان طابورا على -فول وتميس- فرع كامبريدج.

قبل فترة ليست قريبة، أُلغيت هذه الفقرة من قائمة المخالفات هناك، بسبب عدم احتياجها، فما كان يحدث يوميا من عدم احترام للمصطفين بهذا الطابور، أصبح شبه منعدم، ليس خوفا من الـ100 جنيه فقط، بقدر ما هو جيل نشأ منذ نعومة أظفاره ولم يشاهد أحدا يتعدى على هذا الطابور، وهو طابور فقط، وليس جريمة تستحق أن يعاقب فاعلها بهذه الغرامة التي تعادل راتب شهر آنذاك.

القوانين هذه وما يشابهها لم تُسنّ لأن مسؤولا في الحكومة -مثلا- وجد نفسه «فاضي» فقال «خليني أطقطق مع نفسي» بصياغة قوانين، ولا تطبق إلا بعد موافقة عليا.

بل وُضعت بضوابطها وتقنيناتها المعقدة، لأن أي منظمة أو دولة أو ما في حكمها تعي أن حفظ الحقوق للكل، هو أساس المحافظة على سير شؤونها، وتجعل الإنسان الذي يعيش بها يتخطى الطبقات الأولى من «هرم ماسلو»، ليصل إلى مرحلة تحقيق الذات، وبالتالي يصبح ذاتا منتمية للكيان.

وحتى لا نطيل في «الفزلكة»، فالمقصود أن القوانين التي سُنّت مؤخرا بما فيها تطبيق «مخالفات الذوق العام» من قِبل الجهات التنفيذية، ما هو إلا دليل على كبر الفجوة التي كنا نعانيها فيما بيننا في الأماكن العامة، وليس في أيدينا حينها سوى أن نجعل في آذاننا طينا وعجينا، حتى وإن كان لها طنين، ونغطّي عيوننا وعيون أطفالنا عن بعض المشاهد التي تقتل الحياء بدم بارد.

وأما لو حدث أننا نعاني من هذه المخالفات والعقوبات، ونقول «ما يكفي ساهر للسيارات» صار «ساهر على ملابس النوم بعد»، فبإمكاننا أن نلغي هذا الجدول من أصله، بامتناعنا عن هذه المخالفات جيلا بعد جيل، حتى تُلغَى من النظام لعدم الاحتياج إليها.

نظرة للسماء: «وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِی ءَادَمَ... وَفَضَّلنَـٰهُم عَلَىٰ كَثِیر مِّمَّن خَلَقنَا تَفضِیلا».

قد يكون التعامل برقيّ العقل بين «بني آدم» جزءا من هذا التكريم والتفضيل عن غيرنا