إذا كانت اليابان قادرة على فعلها، فلماذا لا يمكننا فعلها أيضا، عنوان الفيلم الذي بُث عام 1980، للنظر إلى التطور الكبير لليابان، والتفوق الكاسح لمنتجاتها أمام نظيرتها الأميركية، من ناحية الجودة والسعر.

هذا العنوان شدّني بشكل يجعلني أتساءل: هل نحن -أيضا- قادرون على تخطى تلك الدول وتجاوزها، إذا مارسنا الوصفة نفسها التي وصفها لهم إدواردز ديمنج W. Edwards Deming، وهو مهندس تصنيع أميركي، يؤمن بأن الموظفين هم وحدهم الذين يتحكمون -بالفعل- في عملية الإنتاج.

فقام بطرح نظريته المسماة بدائرة ديمنج، والتي بناها على 4 محاور «خَطّطْ - نَفذْ - افحصْ - بَاشرْ»، ونادى بها كوسيلة لتحسين الجودة، غير أنه تم تجاهله من قادة الصناعة الأميركيين، وذلك في أوائل الأربعينات، فلم يدخله اليأس فيما خطط له.

وسافر إلى اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، بناءً على طلب الحكومة اليابانية، لمساعدة صناعاتها في تحسين الإنتاجية والجودة.

وهنا، يكمن اقتناع القيادات بضرورة النهوض من جديد، وأنه لا مجال للاستسلام، فاستُقبِل استقبالا خاصا من اليابانيين الذين بمجرد أن عرفوا تاريخه المهني والأكاديمي، أبدوا له الاحترام الشديد وأصغوا إليه، إيمانا منهم بأن المعرفة أساس كل تقدُّم، وعنوان كل حضارة، وأثر كل مجد.

في محاضراته التي كان يلقيها على اليابانيين، أخبرهم «ديمنج» أن اليابان بوسعها أن تكون عملاقا صناعيا، إذا ركّزت على الجودة خلال نظام التحسين المستمر.

وأنشأت الحكومة اليابانية جائزة باسمه «جائزة ديمنج» عام 1951، تُمنح سنويا للشركة التي تتميز من ناحية الابتكار في برامج إدارة الجودة.

وعُرف «ديمنج» بلقب «أبو الجودة» في اليابان. لكن الاعتراف بنبوغه في هذا المجال تأخر كثيرا في بلده «الولايات المتحدة الأميركية».

لقد عَلَّم ديمنج اليابانيين أحد أهم إستراتيجيات الجودة، وهي أن الجودة الأعلى تعني تكلفة أقل وليس العكس، وهذا -للأسف- ما نراه في بعض المؤسسات التي تستعرض حجم الإنفاق على المشاريع، ولكن دون أثر وجودة في مخرجات ذات قيمة حقيقية. لكن هذه الفكرة لم تكن مدركة آنذاك لدى المديرين الأميركيين. بعد التطور الذي شهده شعب اليابان جاءت فكرة «كايزن»، والتي تسهم في القضاء على الهدر، وذلك خلال تحسين البرامج المعيارية والطرائق المستخدمة.

ومورست طريقة «كايزن» للمرة الأولى في الشركات اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، وتأثرت جزئيّا بمُعلِّمِي إدارة الأعمال وإدارة الجودة الأميركان، خاصة من نموذج ديمنج، وظهرت بصورة ملحوظة كجزء من أسلوب شركة «تويوتا»، التي تعدّ إحدى الصناعات اليابانية التي غزت أسواق العالم، وقد انتشرت في جميع أنحاء العالم، وطبقت أيضا في بيئات وأصبحت تمارس كتدريب وكأسلوب حياة في كثير من القطاعات.

الهدف الأساسي من ذكر هذه الإستراتيجية، هو ما نشهده من سرعة الوتيرة في التغير بمؤسسات الدولة لدينا. فنحن قادرون على التفوق وفعلها في كثير من المجالات، خاصة أن كثيرا من الممكنات التي تسهم في خلق التميز الكبير بالجودة، مقابل السعر ومقابل الكم، موجود لدى عقول الشباب السعودي، ولدى القيادات التي تؤمن بالتطور والريادة والابتكار. لا بد من النظر بشكل إستراتيجي في جميع الخطط التي ترسم، وأقصد بشكل إستراتيجي على المدى البعيد الذي نريد الوصول إليه، ليس على المستوى المحلي، بل على المستوى العالمي. لا بد من صناعة المخرج ليكون عالميا ومواكبا لتطلعات القيادات ورسما لسياستها، وحتى نكون عملاقا في صناعة الاقتصاد والتطوير والتحديث والتغيير، فنحن قادرون إذا ما جعلنا مفهوم الجودة التنافسية هو محرك خططنا.