يُحكى أنه في صباح يوم مشمس كانت هناك فتاة صغيرة تمشي على الشاطئ بالقرب من المحيط، بعد قضاء ليلة تحت غضب عاصفة رهيبة ضربت قريتها، وخلال تلك العاصفة تم قذف الآلاف من أنجم البحر على الشاطئ، حيث تناثرت في كل مكان. كانت تتوقف وتنثني لتلتقط أحد هذه الأنجم، ثم تركض إلى المحيط وتعيدها إليه. كان الناس من حولها يراقبون باستغراب واستمتاع في آنٍ واحد. وبعد مضي فترة من الوقت، وهي منهمكة، فيما يبدو، في عملية إنقاذ فردي، اقترب منها رجل عجوز، وقال: «يا صغيرتي لماذا تفعلين هذا؟ انظري من حولك إلى هذا الشاطئ! لا يمكنك إنقاذ كل هذه الأنجم، لا يمكنك أن تُحدثي فرقًا»! للوهلة الأولى بدت الفتاة محطّمة، وجحظت عيناها إلى الفضاء من حولها، وكأنها تنظر إلى فراغ، ولكن لم يدم ذلك طويلا، فبعد لحظات استعادت حماستها، انحنت والتقطت نجما آخر، ثم أسرعت إلى المحيط، وألقت به بكل ما تملك من قوة، وكأنها تريد أن تعيده إلى أبعد مسافة ممكنة حتى يصل إلى الأعماق، ثم استدارت ونظرت إلى الرجل العجوز وردّت قائلة: «حسنًا، لقد أحدثتُ فرقا لذلك النجم»! نظر الرجل العجوز إلى الفتاة بفضول ودهشة، وفكر فيما فعلته وقالته، فتحرك وانضم إليها في التقاط الأنجم وإعادتها إلى ماء المحيط مرة أخرى، وكأنها عدوى انتشرت بين جميع من كان على الشاطئ حينها، فسرعان ما انضم آخرون، وتم إنقاذ كل أنجم البحر يومها. (القصة مقتبسة من رواية «رامية النجم» من تأليف لورين إيزيلي). لماذا أحب بين الفينة والأخرى أن أبدأ مقالتي بقصة من التراث أو من الأدب، لأننا كبشر تشدّنا القصة أكثر من المعلومات التي تقدم في قالب سردي جاف، نحن بذواتنا عبارة عن مجموعة من القصص التي تكون شخصياتنا وهوياتنا، فكيف نفسر أننا حين نتحدث عما صادفنا من تحديات أو مآزق أو مواقف محزنة أو مضحكة أو سعيدة، نفضل أن نبدأ بها منذ البداية ونرويها كأفضل قاص، نشد بها المتلقي من خلال إضافة بهارات الإثارة والتشويق، واكتشفت من خبرتي، أنني حين أزين مقالتي بقصة تشد القارئ أكثر من تلك التي أبدؤها بعبرة أو درس أو مثل! يوجد مثَل من تراث الهنود الحمر في أميركا يقول: «قل لي الحقائق وسأتعلم، قل الحقيقة وسوف أؤمن، ولكن قل لي قصة وسوف تعيش في القلب أبدا». هل القصة التي استخدمتها بعيدة عن رسالتي لهذا اليوم؟ أترك لكم التفكير في ذلك، وهذا ما يحفزني دائما للكتابة، إثارة الفضول والتفكير!

اليوم نعيش تقدما غير مسبوق في تسارع وتواتر الاختراعات والتقدم، التي ما إن نبدأ في تعلم استخدام الأولى حتى يخرجوا علينا بالتالية! وماذا يعني أن يتشبع السوق بكل هذه الأدوات والبرمجيات والأساليب الحديثة؟ هذا يعني أننا إذا لم نستفِد أي شيء، فعلى الأقل الإفادة الواضحة هي توفير الوقت! وهذا الوقت الإضافي الذي بدلا من أن يستخدم في التواصل الروحي مع الخالق، والتقدم في بناء الذات من خلال القراءة ومتابعة ما استجدّ في مجال الحياة من أحداث داخل أسرنا أو محيطنا المهني، أو حتى قراءة الكتب التي كنا نتمنى الإبحار فيها.. لو أننا امتلكناه أضعناه أيضا! أليس هذا عذرنا دائما؟.. قلّة الوقت! ولكن الذي يحدث يوما بعد يوم رغم استخدام كل هذه الأجهزة والبرمجيات التي توفر لنا كثيرا من الجهد والوقت، وتضيف إلى يومنا زمنا آخر، هو أننا نستدير ونشتكي من ضيق الوقت!

هل نحن نحدث فرقا في حياتنا أو في حياة من هم حولنا بالساعة الإضافية، والحقيقة أنها أكثر من ذلك بكثير، ولكن في سبيل المجادلة لنعتبرها ساعة يتيمة! ما المنتج الذي نخرج به من خلال هذه النعمة التي تهبط علينا يوميا من السماء؟ الذي يحدث أن كثيرين يستخدمونها، خاصة المراهقين والشباب، في أنشطة غير ذات فائدة، وبدلا من الارتقاء يكون التراجع والتدهور المادي والمعنوي! السؤال هنا: هل نصرف الوقت المضاف إلى يومنا لمتابعة أنشطة تافهة والانغماس في تجارب المتعة والراحة، ناسفين أحيانا كثيرة قوالب أخلاقية نشأنا عليها؟ أم نستخدمها في تطور وتقدم ذي قيمة معنوية ومادية من خلال أنشطة هادفة ومثمرة وبنّاءة؟

هل تمنيت أن يكون لك وقت إضافي أو أن يكون هناك أكثر من 24 ساعة في اليوم والليلة؟ راجع يومك، وقم بحساباتك، وقيّم الخدمات التي تقدمها لك التكنولوجيا من توفير الوقت، واحسب كم وفرت، حينها ستجد أن ما وفرته أكثر من ساعة، بل أكثر من أربع ساعات على الأقل! فكر قليلا في كيفية إدارة الوقت وتوزيعه، وستجد أنه بإمكانك أن تقوم بكثير فوق ما كنت تتوقع، المهم هنا ليس أن تدرك امتلاك هذا الوقت الإضافي، المهم أن تفكر وتتدبّر: ماذا أنت فاعل به؟ هل ستحدث فرقا أم ستحدث فتقا؟ توقف، ثم فكر.. ثم فكر واستمر في التفكير فعقلك سوف ينسج لك قصصا، عندها ستتنبّه وتصغي، وحينها قد تتوقف مثل تلك الفتاة الصغيرة، وتقرر أنك سوف تحدث فرقا لا يهم حجمه، المهم ما سيقدمه ذلك لذاتك.