(1)

قرأت مرة، أن عمر بن الخطاب لما وافق على رأي عمرو بن العاص في فتح مصر، أرسل معه جيشا من أهل اليمن. لأن مصر واليمن دول ذوات حضارة، وعندما يجتمعون فستكون بينهم لغة مشتركة يستطيعون الاتفاق بواسطتها بما يحفظ تاريخها الضارب في القِدم.

تذكرت الرأي العُمري وأنا أشاهد مراسيم توقيع اتفاق الرياض الذي تم في منتصف الأسبوع الماضي. أبعاد الحكمة والحصافة والانتصار للحضارة والأمة ككل، أضفت على المشهد إطارا لا يمكنك أن لا تنظر إلى الواقع اليمني إلا من خلاله.

(2)

‏لا يمكن لأي عربي عندما يكون الحديث عن اليمن إلا ويتذكر الوجوه المشرقة لهذا الوطن العظيم. الوطن الذي أرضع التاريخ الإنساني من بداية نشأته حتى استقام عوده وشب عن الطوق. لو حاولت أن تجمع قصص وحكايا اليمن واليمنيين في شتى بقاع الأرض لتعبت من تعداد المفاضل والمآثر التي ينثرونها جبلّة بلا تصنّع. حاول أن تشرّق أو تغرّب في مساحات الكره الأرضية، ستجد مهما حاولت أن تخفي ناظريك أن هناك يَمَانيًّا في زاوية من زوايا عواصم الدنيا البعيدة، يؤمن لك احتياجاتك وأمور حياتك. وستجد آخر في عاصمة أخرى بعيدة يستطيع أن يعلمك مهارة أو فنّاً من فنون الحياة المختلفة والمتعددة. اليمانيون هم أحد أسرار امتداد الحياة على هذه الأرض.

(3)

بالنسبة لي شخصيا، أرى أن الدكتور عبدالملك بن طاهر المخلافي، أستاذ الإدارة العامة بجامعة الملك سعود، أحد جبال اليمن الراسخة في العلم. على يديه تتلمذت ودرست الأخلاقيات الكبرى التي يجب أن تصاحب الإداري في ارتقائه لسلم الوظيفة العامة. قبل عبدالملك كنت مجرد كاتب هاوٍ للمقالات الصحفية، وبعده أصبحت أحد المحترفين الذين تتصدر صورهم وأفكارهم إحدى أهم الصحف في المملكة. عندما يتحدث عبدالملك تجد في حديثه شذى البُن اليمني العابق في أقصى ذاكرة التاريخ. وستلمح من خلال كلماته معاول السبئيين وهم يشيّدون السدود، لينشئوا القنوات المائية للأراضي الزراعية التي كانت بمثابة الرئة للعالم القريب وشبه البعيد في ذلك التاريخ السحيق. وستشاهد في طريقة تدفق ألفاظه ومصطلحاته، انعكاسا لأول دينار عربي ضربه الحميريون ليجبروا الأسواق على التداول به كأول عملة رسمية لتاريخ شبه الجزيرة العربية.

(4)

الدولة التي لا يترك أبناؤها العلم وهم في أشد المراحل ضبابية وفي أسوأ الأوقات حرجاً، دولة لا يخشى عليها أبدا. الذين يتحدثون عن الدمار الحاصل في بنية اليمن وفي أنظمته التحتية لا يعرفون أن لدى أبناء اليمن من العزيمة ما تحفر الجبال لتبني بداخلها البساتين والقصور والأنهار. بمثل عبدالملك وبإخوانه وأمثالهم من أبناء هذا الوطن العظيم سيرجع اليمن يمانٍ ورخاء وازدهارا وفي وقت قريب بإذن الله.

(5)

(أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدةً وألين قلوباً، الإيمانُ يَمَانٍ والحكمة يَمَانيّة) محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم.